الثورة – ناديا سعود:
في وقت تواجه فيه سوريا واقعاً صحياً مثقلاً بتداعيات الحرب ونقص الموارد، تسعى وزارة الصحة إلى إعادة بناء منظومة الإسعاف والطوارئ من الصفر، في محاولة لإعادة الثقة إلى واحدة من أهم حلقات النظام الصحي.
مدير الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة، الدكتور نجيب النعسان، تحدث في لقاء خاص مع صحيفة الثورة عن تفاصيل خطة الإصلاح، مشيراً إلى أن ما يجري اليوم ليس إنجازاً بل واجب تأخر كثيراً.
بداية من نقطة الصفر
يقول النعسان: إن أولى الخطوات كانت إجراء تقييم شامل لجميع منظومات الإسعاف في المحافظات وأقسام الإسعاف في المشافي العامة، ليتبين أن الواقع كان مدمّراً بشكل شبه كامل.
ويضيف: لم تكن هناك بروتوكولات واضحة، ولا أجهزة طبية داخل سيارات الإسعاف، كما أن الكوادر العاملة لم تتلقّ التدريب الكافي. بدأنا من نقطة الصفر تقريباً.
من هذا الواقع الصعب، انطلقت خطة عمل منظمة بجدول زمني واضح، لتحديث المنظومات على المستويين الفني والبشري، وتحسين سرعة الاستجابة لرقم الطوارئ الموحد 110، الذي أصبح اليوم يعمل في معظم المحافظات.
أولوية لإنقاذ الأرواح
يؤكد النعسان أن تطوير خدمات الطوارئ يمثل أولوية وطنية، نظراً لدورها المباشر في إنقاذ الأرواح وتقليل الوفيات الناتجة عن الإصابات أو التأخر في النقل إلى المشافي.
ويشرح: المستجيب الأول في أي حالة إسعافية هو منظومة الإسعاف، وهي من تنقل الحالات الحرجة والمهددة للحياة، لذلك فإن تأهيل الكوادر ورفع جاهزية السيارات والمعدات هو أساس عملنا.
تعمل الوزارة حالياً على استقدام سيارات إسعاف جديدة وتوزيعها على المحافظات، مع تجهيزها بأحدث الأجهزة الطبية.
كما يجري تجهيز 50 سيارة إسعاف مخصصة للنقل الآمن لحديثي الولادة، وهي الأولى من نوعها في البلاد.
ويقول النعسان: لم يكن لدينا سابقاً أي سيارات مجهزة لنقل الأطفال حديثي الولادة، نحن الآن في المراحل النهائية قبل إدخال هذه السيارات إلى الخدمة.
إلى جانب ذلك، تُنفَّذ برامج تدريبية شاملة تستهدف جميع العاملين في منظومات وأقسام الإسعاف، من المسعفين والسائقين إلى الإداريين، ضمن خطة موحدة تهدف إلى رفع الكفاءة الفنية والميدانية.
تحديات قاسية
ورغم هذه الخطوات، ما تزال التحديات كبيرة، يقول النعسان: إن سوريا تحتاج بين 1200 و1500 سيارة إسعاف لتغطية جميع المحافظات وفق المعايير العالمية، بينما لا يتجاوز العدد الحالي 302 سيارة فقط، بعد أن كان لا يزيد على 150 عند بدء العمل.
ويضيف: الكثير من السيارات القديمة تفتقر إلى التجهيزات الطبية الأساسية، كما أن الكوادر تحتاج إلى تدريب مستمر بعد سنوات من تراجع أداء المنظومة نتيجة الحرب والظروف الاقتصادية.
أما البنية التحتية لمنظومات الإسعاف فيصفها النعسان بأنها مدمرة بالكامل تقريباً، مشيراً إلى نقص المقرات والتجهيزات وحتى الحقوق الأساسية للعاملين.
التكنولوجيا تدخل الميدان
في خطوة نحو تحديث القطاع، تعمل الوزارة على تفعيل غرف عمليات مركزية في دمشق وجميع المحافظات، مرتبطة بالرقم الموحد 110، لتكون نظام قيادة وتحكم متكامل.
وتتضمن الخطة إنشاء نظام تتبع مباشر لسيارات الإسعاف بهدف تقليص زمن الاستجابة وتحسين التنسيق بين المحافظات.
ويقول النعسان: إن المركز الرئيسي في دمشق في مراحله النهائية، وسيكون مقره في الطابق الأخير من مجمع هيئة البورد.
يؤكد مدير الإسعاف والطوارئ أن المواطن بدأ يلمس تحسناً واضحاً في مستوى الاستجابة والخدمة.
ويقول: المؤشرات الشهرية الواردة من المحافظات تظهر زيادة كبيرة في عدد الإحالات المنقولة عبر سيارات الإسعاف، وهذا يعني أن ثقة المواطنين بدأت تعود تدريجياً.
ويضيف: إن ترميم أقسام الإسعاف في المشافي العامة وتدريب الكوادر على بروتوكولات الجودة والاستجابة السريعة انعكس بشكل مباشر على أداء القطاع.
الشراكات مع الجامعات
يشير النعسان إلى أهمية الشراكات المحلية والدولية في دعم عملية التطوير، موضحاً أن التعاون مع الجامعات السورية أساسي لتأهيل الكوادر وفق أسس أكاديمية حديثة.
ويقول: الجامعات هي المصدر الأكاديمي للمعرفة العلمية، الشراكة معها تتيح لنا تطوير المناهج التدريبية، والبروتوكولات الموحدة لعمل المسعفين.
كما تشارك منظمات دولية في دعم هذا القطاع من خلال تجهيزات أو برامج تدريبية، ما بدأ يظهر أثره الميداني في أداء المشافي ومنظومات الإسعاف.
يختم الدكتور النعسان حديثه قائلًا: نسعى خلال السنوات القادمة إلى بناء منظومة إسعاف وطوارئ وطنية بمعايير عالمية، تعمل على مدار الساعة، وتقدم الخدمة بأعلى جودة ممكنة، هدفنا أن نقلل الوفيات إلى الحد الأدنى، وأن تكون سرعة الاستجابة هي عنوان العمل الصحي.