الثورة – سيرين المصطفى:
حين يتحول التعليم من بيئة آمنة إلى مصدر خوف، يكون السبب غالباً أسلوباً قاسياً أو كلمة جارحة صادرة من معلم. فالعنف اللفظي أو الجسدي لا يعلّم، بل يجرح ويزرع الخوف في نفوس الصغار، ويترك أثراً عميقاً يعاني منه الطالب وذووه على حد سواء.
هذه المعاناة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بل تنعكس أيضاً على الأهالي الذين يشاركون أبناءهم رحلتهم التعليمية، فيقدّمون لهم الدعم والمساندة، ويتحمّلون الأعباء النفسية والآثار التي تخلّفها أي تجربة قاسية يمرّ بها أبناؤهم في المدرسة.
وسبق أن عاشت أمهات سوريات تجارب صعبة مع أبنائهن نتيجة الأسلوب القاسي في التعامل الذي اتبعه بعض المعلمين، ما انعكس سلباً على نفسية الطلاب ومستواهم التعليمي. وأكدت الأمهات أن الأسلوب الحسن يساهم في جذب الطالب نحو المدرسة، بينما الأسلوب القاسي يجعله ينفر منها ويكره التعليم.
وتروي السيدة مروى محمد تجربتها لصحيفة الثورة قائلة: “كانت لي تجربة مؤلمة مع أحد المعلمين الذين يتعاملون بقسوة مع طلابهم. كان يصرخ كثيراً داخل الصف، ويوبّخ الأطفال بشكل متكرر. ورغم أنه لم يستخدم الضرب، إلا أن أسلوبه العنيف ترك أثراً واضحاً في نفس ابنتي”.
وتتابع: “كانت ابنتي تخاف منه لدرجة أنها تتجنب المشاركة في الدرس أو حتى طرح الأسئلة. حاولت كثيراً أن أزرع فيها الثقة وأشجعها على تجاوز خوفها، لكن دون جدوى، فاضطررت في النهاية إلى نقلها إلى مدرسة أخرى أكثر هدوءاً وأماناً”.
من جانبها، تروي السيدة سلمى العبود تجربتها قائلة: “كان لدينا مدرّس في الحارة يضرب الطلاب باستمرار، ولم يكن أحد يتحدث معه. هذا الكلام كان منذ أكثر من عشر سنوات، حينها كان تعرض الطلاب للضرب في المدارس أمراً معتاداً”.
وتضيف: “ابني أصبح يكره المدرسة ويرفض الذهاب إليها. في النهاية، ترك المدرسة ولم يعد إليها، الأمر الذي جعله يفقد شغفه بالتعلم ولم يكمل تعليمه بعد الصف التاسع واتجه إلى مصلحة التبليط”.
يؤكد الأخصائيون النفسيون أن الأسلوب القاسي الذي يتبعه المعلم مع الطلاب يخلق شعوراً دائماً بالخوف والضغط خلال الدرس. كما أن العقاب والتوبيخ المستمر يؤديان إلى فقدان الطالب ثقته بنفسه ويقللان من دافعه للتعلم.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر هذا الأسلوب على علاقة الطالب بالمدرسة، فيكرهها ويرفض الذهاب إليها، ويضعف تفاعله مع المعلمين وزملائه، ما يؤدي في النهاية إلى تراجع تحصيله الدراسي.
في النهاية، تحث الجهات التربوية والأخصائيون الأهالي على عدم التغاضي عن أي شكل من أشكال العنف الذي قد يتعرض له أبناؤهم، سواء كان جسدياً أم لفظياً. وينبغي عليهم التواصل مع المعلمين بصراحة وحرص لطرح ملاحظاتهم، إذ من حق الطفل أن ينشأ ويتعلم في بيئة آمنة ومريحة، خالية من القسوة والخوف، بما يتيح له تلقي تعليمه بشكل طبيعي.