الثورة – راما نسريني:
في معاناة قد تستمر لأيام، يتحشّد عشرات المواطنين يومياً ضمن طوابير طويلة أمام المكتب القنصلي بحلب، في مشهد بات مألوفاً في الآونة الأخيرة، في ظل الإقبال الكبير، و خاصة الذين كانوا خارج البلاد، لتصديق أوراقهم وثبوتياتهم.
إذ اشتكى العديد من المواطنين ضعف التنظيم والازدحام الشديد، وما يترتب عليه من تأخير لمعاملاتهم، التي لا تحتاج لأكثر من عشر دقائق للتصديق، بينما قد تطول المدة لساعات أو حتى أيام.
انتظار لساعات
“جئت لتصديق وكالة خارجية، انتظرت حتى الآن لمدة 4 ساعات، ولا أعلم إن كانت المعاملة ستنتهي اليوم أم ستحتاج للعودة غداً؟” يتحدث محمد جبارة أحد مراجعي المكتب القنصلي لـ”الثورة”، مبيناً أن حاله حال جميع المراجعين، الذين يأتون منذ الصباح وينتهون في المساء بأحسن الأحوال.
وأكد أحمد السبسبي، وهو أحد المراجعين أيضاً، أنه انتظر أمس لأكثر من خمس ساعات، ولم يأت دوره، ما اضطره للعودة مرة أخرى بداية اليوم، وطالب بوجود نظام دور آلي أسوةً بمديرية البريد، ما يسهل عمل المكتب، ويساعد المواطن أيضاً على استثمار الوقت في إنجاز أعماله الأخرى، لافتاً إلى أن عدم التزام عدد كبير من الأهالي بالدور، يسهم أيضاً في زيادة الفوضى، فضلاً عن مشكلة التزاحم التي تتيح التلاعب بالدور.
من أجل ختم..!
يستغرب شادي الحسين من انتظاره لساعات من أجل ختم بسيط، لا يستغرق دقائق، مبيناً أنه استطاع أن ينهي عمله في القصر العدلي بكل سهولة ومرونة رغم كثرة الأوراق والتواقيع المطلوبة منه، والعملية برمتها هناك لم تأخذ منه أكثر من نصف ساعة فقط.
أما فيما يخص دور السيدات، فالوضع قد لا يبدو بهذا السوء، نظراً لقلة عددهن، وفقاً لـ “دارين صقال” خريجة جامعية وإحدى مراجعات المكتب، والتي أكدت لـ “الثورة”، أنها جاءت لتصديق شهادتها، و انتظرت قرابة النصف ساعة خارج المبنى، ومثلها تقريباً في الداخل، للانتهاء من عملية التصديق بالكامل.
“سفري غداً، وأحتاج لتصديق أوراقي اليوم، وإلا فلن أستطيع تسجيل أطفالي في المدرسة خارج سوريا”، يعبر المواطن خالد حزوري عن تخوفه من انقضاء ساعات العمل الرسمي من دون أن يتمكن من تصديق أوراقه، الأمر الذي سيشكل لديه أزمة كبيرة، قد يترتب عليها تأجيل سفره بالكامل.
فيما شرح محمود عثمان، وهو أحد مواطني مدينة منبج شرق حلب، صعوبة ذهابه وعودته قائلاً: أتيت لتصديق الوصاية الشرعية، الأمر الذي لم أتوقع أن يستغرق مني أكثر من نصف ساعة، لكنني أقف اليوم منذ التاسعة صباحاً، ولا يبدو أنني سأنتهي منها اليوم، إذ لا يزال أمامي العشرات في الانتظار.
حلول على الطاولة
في حديثه لـ “الثورة”، أكد مدير المكتب القنصلي ياسر الحسين، أن عمل المكتب يشمل تصديق الوثائق الصادرة من سوريا للخارج وبالعكس، وأي ورقة لا تكتسب الصفة القانونية إلا إذا كانت مصدقة من المكتب، و بالتالي فإن المكتب يقدم خدمات شتى، ما يسهم في تضخم أعداد المراجعين.
أما فيما يخص الازدحام الشديد، فإن ذلك يعود لأسباب عدة، أهمها عودة المغتربين ممن لم يتمكنوا في الأعوام السابقة من تسجيل أطفالهم في سوريا، ويسارعون الآن لتصديق أوراقهم وتثبيت أحوالهم المدنية، ليتمكنوا من إلحاق الأطفال بالمدارس، الأمر الذي يشكل الجزء الأكبر من مشكلة الازدحام، على حد تعبيره.
وكذلك الأمر بالنسبة لطلاب الجامعات، القادمين من الخارج، لاستكمال دراستهم ويحتاجون لتصديق الشهادات، في وقت قصير، وذلك ليتمكنوا من التسجيل في المفاضلة الجامعية، ما تسبب في تدفق عدد هائل، لا يتناسب وقدرة المكان الاستيعابية.
وأوضح أن المراجع يحتاج للذهاب والعودة مرات عدة حتى ينتهي من الإجراءات بالكامل، فعلى سبيل المثال لا يوجد مكان في المكتب لتحصيل الرسم المالي بالدولار، ما يجبر المواطن دفع المبلغ في البنك ومن ثم يعود بالإيصال لإتمام إجراءات التصديق في مشهد يضاعف عدد المراجعين.
وكشف الحسين عن عزمه لإيجاد مكان أفضل للمكتب، يضم صالات استقبال واسعة، إضافة لحديقة صغيرة في الخارج ليتمكن الأهالي من الانتظار فيها، كبديل عن المكان الحالي الضيق، الذي يشكل أزمة للمراجعين والموظفين على حد سواء.
مضيفاً : تقدمنا رسمياً بهذا الطلب، وقد وصلتنا وعود من جهات عديدة، لكن حتى الآن لم يتم ذلك بشكل عملي.
كما أكد الحسين تقديمه طلبات للجهات المسؤولة لزيادة عدد الموظفين، إذ التحق أربعة موظفين جدد بالمركز، لكن وبسبب استكمال إجراءات التعيين، ما زالوا يخضعون حالياً للتدريب، ومن المفترض أن يبدأ عملهم رسمياً خلال الأسبوع القادم، الأمر الذي سيرفع عدد الموظفين إلى سبعة، في حل إسعافي على حد وصفه.
خطوات جديدة
منذ قرابة الشهر تم تفعيل اللصاقة الإلكترونية، وهي تمثل عرضاً للمصداقية وتخفيفاً للتزوير، كما وصفها “الحسين”، منوهاً بأن هناك أعداداً كبيرة من الأوراق المزورة في حلب، الأمر الذي أفقد الورقة المصدقة من الدولة السورية جزءاً من مصداقيتها في الخارج، لذلك كنا بحاجة لحل جذري لمواجهة المشكلة، الذي تمثل باللصاقة الإلكترونية، والتي أسهمت بشكل كبير في إعادة الثقة بالمصدقّات السورية في الخارج.
وعن إمكانية البحث عن حلول بديلة، تتمثل بتفعيل نظام موعد إلكتروني، يستطيع المواطن من خلاله الحجز قبل يوم أو عدة أيام، في خطوة تسهم بتحديد يوم وساعة موعده، وتجنيبه الوقوف لساعات طويلة في الانتظار، اعتبر الحسين أن أمراً كهذا لا يستطيع المكتب أن يباشره بمفرده، وهو يحتاج لتخطيط وزاري وتنظيمي شامل، مؤكداً أن الأمر موضوع ضمن الخطة الوزارية القريبة.
وأشار إلى أن الأزمة تشكلت في الشهرين الماضيين وذلك للأسباب الطارئة التي ذكرها، الأمر الذي جعل الموظفين يعملون لساعات إضافية، بشكل شبه يومي لتسهيل الوضع الراهن.
وفي ختام حديثه، بيّن أنه نتيجة لزيادة عدد الموظفين بحلول الأسبوع القادم، سيكون هناك تحسن وسرعة أكبر في إنجاز المعاملات، الأمر الذي سيسهم في تخفيف معاناة الأهالي في هذا المضمار.