الثورة – عدي جضعان:
وصل السيد الرئيس أحمد الشرع، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة رسمية وصفت بأنها محورية لتحديد شكل العلاقة السورية الروسية في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وتتصدر أجندة المباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ملفات شائكة، ومنها المطالبة بتسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد للمحاكمة، ودور روسيا في عملية إعادة الإعمار للبلاد التي عانت من ويلات الحرب
معادلة موسكو الجديدة
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي عصمت عبسي أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو لا تدور حول الدور الاقتصادي، بل هي تأسيس لمعادلة جديدة، إذ لم تعد روسيا “الحليف المطلق” بل “شريك مشروط” في أفضل الأحوال.
ويشير عبسي إلى أن الحكومة السورية الجديدة، رغم عدائها لنظام الأسد، تواجه واقعاً دولياً معقداً بسبب استمرار العقوبات الغربية، مشدداً على أن موسكو لم تعد تحتل موقع “الحليف المطلق” القادر على فرض الإرادة، بل أصبحت طرفاً يُمكن التفاوض معه ضمن معادلة جديدة.
ويقول عبسي في حديث خاص “للثورة”: “موسكو قد تسعى للحفاظ على نفوذها عبر تقديم تنازلات مشروطة، لكن الحكومة الجديدة، بفضل علاقاتها الممتازة مع دول الخليج والغرب، تمتلك أوراق ضغط مضادة، ما يحد من قدرة روسيا على فرض شروطها”.
ويؤكد عبسي أن التحرك الروسي داخل الأمم المتحدة لرفع العقوبات سيظل أحد أدوات موسكو، لكن فعالية هذا التحرك ستتوقف على مدى استعداد الحكومة السورية الجديدة للتعاون أو التفاوض معها، وليس الخضوع لها.
السيادة أولاً
ويرفض عبسي الصيغ القديمة التي كانت تمنح امتيازات غير متوازنة لروسيا في قطاع الثروات، مؤكداً أن الحكومة الجديدة تنطلق من مبدأ السيادة الوطنية ويوضح أن سورية تستطيع الآن، في ظل علاقاتها القوية مع دول الخليج والغرب، أن تضع شروطاً جديدة.
وبشأن الديون الضخمة المستحقة لروسيا على سورية، يعتبر عبسي أنها لم تعد ورقة ضغط أحادية الجانب بيد الكرملين. ويدعو الحكومة الجديدة إلى استغلال هذه الورقة عبر المطالبة بمراجعة هذه الديون، “خاصة إذا ثبت أنها ترتبت في ظروف غير قانونية أو غير شفافة، وربط إعادة الهيكلة بمشروعات تنموية حقيقية، تخدم الشعب السوري وتخضع لرقابة وطنية ودولية صارمة، واستخدام الدعم الغربي والخليجي لتقليل الاعتماد على التمويل الروسي، ما يضع موسكو “أمام خيار التعاون أو خسارة النفوذ.
بدائل اقتصادية
يختتم عصمت عبسي تحليله بالتأكيد أن سورية اليوم أمام فرصة تاريخية لإنعاش اقتصادها عبر بوابة الانفتاح غير المسبوق، مضيفاً: إن الفرصة متاحة الآن لإجراء إصلاحات داخلية جذرية تشمل مكافحة الفساد وتحديث القوانين.
والأهم هو الدخول في شراكات استراتيجية مع دول الخليج في مجالات الطاقة، الزراعة، والسياحة، إضافة إلى إمكانية جذب استثمارات غربية مباشرة في حال تم ضمان الاستقرار السياسي والشفافية، الهدف هو إعادة دمج سورية في المنظومة الاقتصادية العربية بشكل كامل.
ويخلص عبسي إلى أن نجاح الشرع في موسكو لا يُقاس بحجم التعهدات الروسية، بل بمدى قدرته على فرض شروط السيادة والشفافية، واستخدام الأوراق الاقتصادية الجديدة التي بحوزة دمشق.
توازن القوة
بدوره يرى الباحث والمحلل السياسي محمد سليمان من مركز جسور للدراسات أن مسألة تسليم الرئيس المخلوع إلى دمشق للمحاكمة لن تكون قراراً سياسياً تتخذه موسكو في الوقت الحالي، بل إن وجوده لديها يمثل ميزة تفاوضية وورقة ضغط مستقبلية في يد الكرملين.
ويشدد سليمان على أن ملف تسليم الأسد منفصل عن التفاهمات السياسية والعسكرية الجارية بين الجانبين، مثل مستقبل القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري أو تسليح الجيش السوري، التي لا تزال مستقرة بفضل التوافق القائم منذ التحرير.
ويؤكد سليمان” للثورة “أن المخلوع بشار الأسد يُعد مجرم حرب، وأن ما كان يحميه ليس الحصانة الرئاسية، بل “التواجد العسكري لحلفائه”.
ويذهب إلى القول بإن لولا رغبة الفصائل العسكرية السورية خلال عملية التحرير في الانخراط ضمن التفاهمات الدولية وإسقاط النظام بأقل الخسائر البشرية، لكان الثوار قد حاسبوه بأنفسهم داخل قصره في دمشق.
ويوضح سليمان أن الأسد حصل على لجوء إنساني استثنائي بقرار مباشر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يجعل أمره مرتبطاً بالقرار الشخصي للرئيس الروسي، وليس بنص قانوني رسمي.
ومع ذلك، لا يستبعد سليمان أن تبدي موسكو استعدادها لتسليمه لاحقاً إلى السلطات السورية، إذا ما “رأت أن مصالحها الطويلة الأمد تكمن في التعاون مع العهد الجديد في سوريا.”
وتنبع أهمية المطالبة بتسليم الأسد لمحاكمته في سورية من كونه جزءاً أساسياً من ملفات الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
ويؤكد المحلل السياسي تصريحات رئيس الهيئة الأستاذ عبد الباسط عبد اللطيف، بشأن سعيهم لتطبيق العدالة ومحاسبة المخلوع.
ويشدد سليمان على أن هذا التسليم يمتلك رمزية كبيرة لدى الشعب السوري، نظراً للمسؤولية التي يتحملها الأسد ووالده عن المجازر والمآسي التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية.
ولهذا، تعمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية على المضي قدماً ليس فقط في هذا الملف، بل في جميع الملفات المتعلقة بمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الشعب السوري.
وفي الختام، يرى محمد سليمان أن العلاقة بين روسيا وسورية ستبقى مستقرة منذ سقوط النظام البائد، ومن المتوقع أن تستمر بما تحمله من مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية مشتركة. ولهذا السبب، ستبقى التفاهمات والتوافقات بين الجانبين حاضرة في العديد من الملفات خلال المرحلة الراهنة وفي المستقبل.