الثورة – وعد ديب:
تظل قضية الفساد المصرفي في سوريا من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، وتعرقل جهود الإنقاذ والتنمية.
فبين ضعف الشفافية وغياب الحوكمة، وتصاعد حالات التلاعب بالقروض والتحويلات، تتراجع الثقة المحلية والدولية بالنظام المالي، ما يزيد من عزلة القطاع المصرفي ويضعف البيئة الاستثمارية.
ولايخفى على أحد ما تم فتحه من تحقيقات واسعة وإجراءات كف يد وحجز احتياطي للأموال المنقولة وغير المنقولة بحق عدد من مديري المصرف العقاري في الإدارة العامة وبعض الفروع، إذ شملت الإجراءات أيضاً عدداً من أمناء الصناديق والمديرين الماليين، بالتوازي مع حركات نقل طالت مديرين في الفروع والإدارة العامة.
خروقات متعددة
الباحث الاقتصادي الدكتور خالد التركاوي، يشرح في حديثه مع صحيفة الثورة أن الفساد المصرفي لا يقتصر على تجاوزات فردية، بل هو انعكاس لخلل هيكلي عميق في النظام المالي.
ويضيف: “هذا الفساد يُدخل الاقتصاد السوري في عزلة مصرفية، إذ تتهرب المؤسسات الدولية من التعامل مع البنوك المحلية خشية الانزلاق في مخالفات قانونية أو شبهات غسل أموال، وحين تكون قنوات التمويل معطوبة، لا المواطن يرى نتائج ملموسة، ولا المستثمر يثق بالبيئة المصرفية.”
موضحاً أن “تضارب المعايير وغموض السياسات يخلقان سوقاً غير رسمية تمتص المدخرات وتزيد هشاشة الاقتصاد.”
وردًا على سؤال “الثورة” عن عدم شعور المواطن بتحسن رغم الخطط المالية، يؤكد التركاوي أن السبب هو “أن الفساد المصرفي يسحب الثقة من الجذور، والمواطن لا يرى نتائج لأن قنوات التمويل معطوبة، والثقة تآكلت بفعل تضارب المعايير وغموض السياسات، فلا خطط تنجح دون منظومة مصرفية نظيفة.”
مبيناً أن “الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح الجهاز المصرفي أولًا، لأنه الرافعة الأساسية لأي عملية تنمية أو جذب استثمار، ولا يمكن الحديث عن بيئة استثمارية صحية أو دعم للقطاع الإنتاجي ما لم يكن لدينا قطاع مصرفي يعمل وفق قواعد واضحة وبمستوى عالٍ من الشفافية والعدالة.
ملفات فساد مصرفي
تكشفت خلال السنوات الماضية عدة ملفات فساد مصرفي عبر تقارير محلية ودولية موثقة، حسب تقارير إعلامية رسمية موثقة، وفتحت الجهات الرقابية تحقيقات في ملفات فساد مصرفي مرتبط بأسماء بارزة في النظام السابق، من هذه الجهات التي تعمل على هذه القضايا
الجهاز المركزي للرقابة المالية، كشف عن فساد مالي في الوزارات والمؤسسات العامة.
الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ذكرت في تقارير أنها تشارك في التحقيقات، وتشكيل لجان متخصصة لمتابعة ملفات الفساد.
وتم استهداف أشخاص في قضايا منح قروض مشبوهة وتلاعب مالي، مع اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية بحقهم في إطار حملة مكافحة الفساد.
بالعودة إلى الدكتور التركاوي، وبناءً على ماسبق فإنه يؤكد ضرورة وضع دليل حوكمة مكتوب لجميع الإجراءات المصرفية من فتح حسابات ومنح قروض وإدارة الاعتمادات، مع تشكيل جهة رقابية مستقلة تتمتع بصلاحيات فعلية في المراقبة والتحقيق.
مع التركيز على نشر تقارير مالية دورية تخضع لتدقيق خارجي ومتاحة للرأي العام، إضافة إلى تبني أدوات رقمية متقدمة لرصد المعاملات المشبوهة وتفعيل آليات الإبلاغ الآمن عن الفساد مع حماية قانونية للمبلغين وفقاً للخبير التركاوي.
وشدد على أن هذه الإجراءات ليست مجرد توصيات نظرية، بل ضرورة عملية لبناء نظام مصرفي شفاف ونزيه يعيد الثقة ويحفز الاستثمار والتنمية.
ويمكن القول: إنه يبقى الفساد المصرفي أحد أهم العقبات التي تعيق التعافي الاقتصادي في سوريا، ورغم الخطوات والإصلاحات الرسمية، يبقى التحدي الأكبر في التطبيق والشفافية.
كما أن تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد يمثلان مفتاح استعادة ثقة المواطن والمستثمر، بحسب الخبير التركاوي، وبناء قطاع مصرفي نزيه وقادر على دعم التنمية المستدامة، مؤكداً على الشفافية ليست خياراً بل ضرورة وجود.