العلاقات السورية الروسية.. بين التعاون السيادي والمصالح البراغماتية

الثورة – منهل إبراهيم:

تمتد العلاقات بين دمشق وموسكو إلى ما قبل تفكك الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، فهي علاقات قديمة وراسخة استمرت لأكثر من سبعين عاماً، وسارعت موسكو إلى فتح السفارة السورية على أراضيها، ورفع العلم الجديد بعد سقوط نظام الأسد، في إشارة رمزية سريعة إلى اعتراف روسيا بالواقع الجديد، وأرسلت رسائل إيجابية لترسيخ موقعها كشريك في إعادة الإعمار وضمان الاستقرار.

وفي 12 شباط 2025 أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً مع الرئيس أحمد الشرع، هنأه فيه على توليه القيادة، وتمنى له النجاح في مواجهة تحديات سوريا، مؤكداً على روابط الصداقة والتعاون ذي المنفعة المتبادلة، كما شدد على اهتمام روسيا بسيادة سوريا وسلامة أراضيها، وقد مثل هذا الاتصال أول تواصل مباشر يُعلن عنه بين الكرملين والقيادة الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، بحسب بيان رسمي للكرملين.

وفي 20 آذار 2025 بعث بوتين رسالة رسمية إلى الرئيس الشرع، أعرب فيها عن دعمه لجهوده في تحقيق الاستقرار داخل سوريا، وعرض تعاوناً عملياً في مجموعة واسعة من القضايا، وهو ما عد إشارة واضحة إلى استعداد موسكو للتفاعل مع القيادة الجديدة، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.

وترغب الحكومة السورية انطلاقاً من رؤيتها المستقبلية التي تستند على قواعد وأسس كثيرة من المصالح المشتركة، في إقامة أفضل العلاقات مع روسيا، وبناء على ذلك أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في مناسبات عديدة أن القيادة السورية ترغب في بناء علاقة صحيحة مع موسكو، على أساس الاحترام المتبادل.

ومن موسكو وفي أول زيارة رسمية لمسؤول بالحكومة السورية الجديدة إلى روسيا منذ الإطاحة بنظام الأسد، أكد الشيباني في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في تموز الماضي، أنه “هناك فرص عديدة لسوريا موحدة وقوية، ونأمل أن تقف روسيا إلى جانبنا في هذا المسار”، وحينها وجه لافروف دعوة إلى الرئيس أحمد الشرع لحضور القمة الروسية العربية في موسكو في تشرين الأول الجاري.

ولفت الشيباني إلى أن العلاقات تمر منذ سقوط الأسد بمنعطف حاد وتاريخي، مؤكداً أن دمشق تتطلع إلى تعاون روسي صادق، وتريد روسيا شريكاً في جهود إعادة الإعمار والاستقرار.

وتؤكد شبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” أن موسكو تشدد على وحدة أراضي سوريا، مشيرة إلى أن الثقة بين دمشق وموسكو قد ترسخت بشكل أكبر منذ سقوط نظام الأسد، حيث تجري روسيا والحكومة السورية محادثات بشأن مصالح مشتركة.

وتلفت الشبكة البريطانية إلى أنه في أول مقابلة أجرتها معه “بي بي سي” في 18 كانون الأول 2024، “وصف الشرع العلاقات مع روسيا بأنها “استراتيجية”، وأكد أن موسكو “ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة”، مضيفاً أن دمشق لا تسعى إلى إخراج روسيا من سوريا بطريقة لا تليق بتاريخ العلاقة الطويلة بين البلدين”.

وقد سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى استغلال هذه العبارة آنذاك قائلاً: “تجدر الإشارة إلى أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تحدث مؤخراً إلى بي بي سي، واصفاً العلاقات السورية مع روسيا بأنها قديمة واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك، ولدينا الكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين”.

وفي مقال نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قال نيكيتا سماغين، خبير سياسة روسيا في الشرق الأوسط: إن موسكو كانت من أوائل الدول التي أقامت اتصالات مع الإدارة السورية الجديدة بعد انهيار نظام الأسد.

وأوضح أن هذا يستند إلى مصالح براغماتية، للحفاظ على قاعدتي حميميم الجوية والبحرية في طرطوس، لما لهما من دورٍ رئيسي في العمليات اللوجستية الروسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وافريقيا، لافتاً إلى أنه في آذار الماضي، استأنفت روسيا شحنات النفط إلى سوريا، وتبعتها شحنات الحبوب في نيسان.

وتؤكد العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه ورغم التغييرات العميقة التي شهدتها سوريا، مازالت موسكو تتابع عن كثب ملفات استثمارية واقتصادية تخصها، ما يعكس التزاماً روسياً واضحاً بحماية مصالحها أكثر من أي شيء آخر.

وترى وكالات أنباء روسية أن زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو تفتح آفاقاً جديدة للتعاون، كما أن نجاح موسكو في بناء علاقة متوازنة مع الحكومة السورية قد يفتح أمامها خيارات جديدة ويمنحها ميزة تنافسية في المنطقة، وفي المقابل، تدرك دمشق، التي رسخت علاقاتها مع دول عربية كالسعودية وقطر والإمارات، أن إعادة بناء العلاقة مع موسكو يمنحها رصيداً إضافياً من القوة في علاقاتها الدولية، مؤكدة على مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية في المستقبل مع موسكو، وعلى العلاقات المتوازنة والاحترام المتبادل، لافتة إلى أن هذا لا يعني أن العلاقة خالية من العقبات أو التباينات، لكن المهم هو وجود رغبة جدية من الطرفين لبناء نموذج جديد من العلاقات.

آخر الأخبار
أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات عزيز موسى: زيارة الشرع لروسيا إعادة ضبط للعلاقات المعتصم كيلاني: زيارة الشرع إلى موسكو محطة مفصلية لإعادة تعريف العلاقة السورية- الروسية أيمن عبد العزيز: العلاقات مع روسيا لا تقل أهمية عن العلاقات مع أميركا وأوروبا الشرع وبوتين : علاقاتنا وثيقة وقوية وترتبط بمصالح شعبينا المكتب القنصلي في حلب.. طوابير وساعات من الانتظار بوتين والشرع يؤكدان في موسكو عمق الشراكة السورية الروسية للمقاييس عدالة.. لكن من يضبط الميزان؟ الفساد المصرفي.. أهم العقبات التي تعيق التعافي الاقتصادي لوحات دائمة بدل التجريبية للمركبات في طرطوس العلاقات السورية الروسية.. بين التعاون السيادي والمصالح البراغماتية الشرع في موسكو.. إعادة تشكيل الدور الروسي وموضوع المخلوع أهم قضايا البحث