الثورة – علي إسماعيل:
وسط تحولات إقليمية تتقاطع فيها الحسابات العسكرية بالرهانات الاقتصادية، وفي توقيت بالغ الحساسية، يتجه الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو في زيارة رسمية تُعدّ مؤشراً لبدء إعادة تموضع استراتيجي بين دمشق وموسكو.
الزيارة التي تأتي بعد أشهر من تغيّر المشهد السياسي السوري، تحمل بين طياتها أكثر من مجرد لقاء بروتوكولي، بل تمثّل لحظة مفصلية لإعادة صياغة العلاقات مع الحليف الروسي على قاعدة المصالح المتبادلة، من القواعد العسكرية إلى ملفات الإعمار والتسليح.
يدخل الطرفان محادثات مغلقة هدفها ترسيخ شراكة طويلة الأمد في مرحلة ما بعد الصراع، وحول هذه الزيارة تحدّث المختص في القانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية الأستاذ المعتصم الكيلاني: “من وجهة نظري الحقوقية والسياسية، أعتبر زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو ذات أهمية استثنائية من حيث الشكل والمضمون، فهي تأتي في مرحلة دقيقة من التحول السياسي في سوريا، إذ يُعاد تعريف مفهوم السيادة والعلاقات الخارجية على أسس جديدة قائمة على العدالة والمساءلة والاحترام المتبادل.
ويضيف: إن أهمية الزيارة تنبع أولاً من كونها تحمل طابعاً سيادياً وقانونياً، إذ تتيح للدولة السورية أن تطرح بشكل مباشر ملفات كانت مؤجلة لسنوات، وعلى رأسها ملف الوجود العسكري الروسي و ارتكابات روسيا في سوريا التي تعد كجرائم حرب، كما يمكن طلب تعويضات للضحايا و ذويهم كنوع من آليات تطبيق العدالة الانتقالية وتحديد مسؤولية روسيا عن تلك الوقائع الجسيمة في سوريا، وأيضاً ملف تسليم المطلوبين للعدالة.
وتابع الكيلاني: إنه من الواضح أن الرئيس الشرع يذهب إلى موسكو ليس لإعادة إنتاج تحالفات الماضي، بل لإعادة صياغتها بما يخدم مصلحة الشعب السوري، وضمن إطار قانوني يحترم الدولة السورية ككيان مستقل، لا كمنطقة نفوذ.
وحول ما يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة وابعادها للنتائج المتوقعة قد تتجه في الاستراتيجية يقول الكيلاني: إن النتائج المتوقعة من الممكن أن تأخذ أحد مسارين: إما فتح باب حوار جدي حول انسحاب تدريجي ومنظّم للقوات الروسية، وإما تفاهمات سياسية جديدة تُعيد التوازن للعلاقة بين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بالسيادة والقرار الوطني المستقل.
وحول توقيت الزيارة المتزامن مع التحولات الإقليمية والدولية يشير الكيلاني إلى أن توقيت الزيارة دقيق ومعبّر، إذ يأتي بعد مرحلة من إعادة الاصطفاف الإقليمي والدولي، وفي وقت تسعى فيه موسكو إلى تثبيت مكاسبها السياسية قبل أي تحوّل في الملف السوري دولياً، لذلك، الزيارة تُعدّ محطة مفصلية لإعادة تعريف العلاقة السورية – الروسية على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشروعة.
أما ملف تسليم المسؤولين المتورطين بجرائم ضد الشعب السوري و المتواجدين في روسيا قال الكيلاني: قانونياً، لا يوجد ما يحمي المخلوع بشار الأسد أو غيره من المسؤولين المتورطين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من المساءلة والملاحقة الدولية.
فالقانون الدولي واضح في هذا الشأن: الجرائم الجسيمة لا تسقط بالتقادم، ولا تُغطّيها الحصانات السياسية، حتى لو كان مرتكبها رئيس دولة أو مسؤولاً سابقاً، مضيفاً: ومن الناحية المبدئية، مبدأ عدم الإفلات من العقاب أصبح ركيزة أساسية في العدالة الجنائية الدولية، وبالتالي، وجود الأسد المخلوع في موسكو لا يمنحه أي حماية خاصة، لأن روسيا ليست ملزمة باتفاقيات تضمن له حصانة أمام الجرائم الدولية، بل على العكس، يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تطلب رسمياً تسليمه بموجب مبدأ الاختصاص القضائي الوطني، أو ضمن إطار اتفاقات التعاون القضائي الدولي، متى ما توفرت الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة.
وتابع بالقول : وهنا أريد أن أؤكد أن تسليم المتورطين بجرائم ضد الشعب السوري ليس مطلباً سياسياً بل حقّ قانوني وإنساني، فالعدالة لا تُبنى على الانتقام، بل على المحاسبة والاعتراف بالمسؤولية، وأي تسوية أو تفاهم لا يمر عبر هذا الباب، لن يؤسس لسلام حقيقي ولا لمستقبلٍ مستقرّ في سوريا.
وبينما يُنتظر من اللقاء بين الرئيس الشرع ونظيره الروسي أن يحمل دلالات سياسية وعسكرية واقتصادية متعددة، تبقى الأنظار متجهة إلى ما ستحمله هذه الزيارة من خطوات عملية تُترجم على الأرض، سواء في شكل تفاهمات استراتيجية أو تحولات ملموسة في العلاقة، فهل ستكون هذه الزيارة نقطة انطلاق فعلية لمرحلة سورية- روسية جديدة، أم أنها ستُضاف إلى قائمة محاولات ترتيب الأولويات في مشهد ما بعد الحرب، بانتظار نضوج توافقات أوسع إقليمياً ودولياً؟.
