بقلم رئيس التحرير- علي قاسم:
لم يكد يجري الحديث عن إمكانية معاودة طرح الحل السياسي، حتى أخذت التفسيرات والاستنتاجات طريقاً ملتوياً ومتعرجاً، أفسح في المجال أمام تكهنات من خارج السياق حيناً، وأخرج إلى العلن إضافات شوّهت الغاية الأساسية من الحديث كله في أحيان أخرى،
بل في بعض الجزئيات كانت أقرب إلى المبالغة والتهويل المتعمدين في عودة إلى الصيد في الماء العكر.
المفارقة الأكثر حضوراً كانت في مسارعة البعض إلى لعبة الغمز من قناة هنا أو إشارة إلى تغيير هناك، والبعض وجد فيها نافذة لإعادة إحياء رماد الأفكار التي تمّ سحبها من التداول، بحكم انتهاء صلاحيتها، نتيجة تطورات متسارعة كانت كافية لدفن الكثير من الطروحات إلى غير رجعة.
ورغم أن العودة إليها من قبل البعض قد تكون بنيّة إيجابية وربما لها أسبابها ومبرراتها، بغض النظر عن مدى مشروعيتها، فإن أغلبها ليس بريئاً، خصوصاً في ظل مغالطات معظمها متعمّد بحكم الدور والوظيفة لأصحابها، والجزء الآخر ضحل وهزيل ومتسرّع وغير قادر على الإلمام بتفاصيل وحيثيات ما يجري، ولا يجاري التفسيرات الفضفاضة التي تنطوي عليها، وتحديداً حمّالة الأوجه منها.
على هذه القاعدة تبدو الحاجة إلى إعادة التذكير بالكثير من المسلّمات التي أغفلت عن عمد أو من دون قصد، أو تم تجاوزها تحت مبررات وذرائع لا تتقاطع مع الواقع في شيء، وفي مقدمة ذلك تبرز سلسلة من المفاهيم التي تحتاج إلى تصويب:
أولها: إن مكافحة الإرهاب كانت وستبقى أولوية تتقدم على سائر الأولويات، رغم الحاجة أحياناً للحديث في بنود أخرى خارج سياق هذه الأولوية، خصوصاً أن الأحداث والتطورات قد قدّمت القرائن والأدلة الدامغة على صوابية الطرح الذي تبنّته سورية في جنيف وغير جنيف.. قبله وبعده.. معه أو من دونه، ولا تزال هي الثابت الوحيد الذي لم يتغيّر منذ البداية وغير قابل للتعديل أو التحييد أو التأجيل.
ثانيها: أي حديث أو طرح تحت أي مسمى جاء من نوع المناطق العازلة أو الآمنة أو الممرات الإنسانية وغير الإنسانية، وكل مصطلح من هذا القبيل هو مرفوض في الشكل والمضمون، لتعارضه مع أبسط مبادئ القانون الدولي وافتقاده لأبسط عوامل النجاح، بحكم تعدد مرجعية الإرهاب والجهات الضامنة له، وهي عوامل كافية لنفي البحث فيه من الأساس، ولا حاجة لإضاعة الوقت من جديد بعد أن فوّتت الأمم المتحدة بمبعوثيها السابقين وأطراف دولية أخرى العديد من الفرص في السابق، ولا نريد للمبعوث الدولي الحالي «دي ميستورا» الغرق من جديد في تدوير زوايا لا طائل منها!!
وثالثها: يتعلق بوجود مقاتلين «أجانب» ومرتزقة، أو قوات مهما كان نوعها أو طريقة دخولها بمبرراته وذرائعه ومسوّغاته الذي يشكّل في حدّه الأدنى عدواناً صارخاً لا يمكن القبول به، ويستلزم بالضرورة رداً يوازيه تتشارك فيه جميع الدول، وتحديداً تلك التي تبنّت قرار مجلس الأمن حول المقاتلين الأجانب.
أما رابعة المسلّمات فتتعلق بأسس مكافحة الإرهاب ومعطيات الطريق الصحيح إلى محاربته، والتي تنطلق وقبل أي شيء آخر من مسلّمة تجفيف منابع التمويل والتسليح، وايقاف كل أشكال الدعم السياسي والاحتضان، وهو ما أشارت إليه سورية منذ بداية الأزمة وتصرّ عليه كمتلازمة لا بدّ منها للشروع الصحيح والمنطقي في خطوات مكافحة الإرهاب.
خامسها: وقد لا يكون آخرها لكنه أهمها – إذ لا يمكن لمن دعم الإرهاب ماضياً ويواصل ذلك حاضراً، ولمن تتقاطع أهدافه معه وتتطابق أجنداته مع جرائمه أن يكون في ضفة محاربته، هذا فائض من النفاق الغربي يجب أن يُسحب من التداول السياسي وأن ينتهي التعاطي معه مهما كان شكله أو مضمونه.
ومعه وربما قبله تتلاقى جملة من المعطيات التي تصبّ في الموضع ذاته، والمتعلّقة بأوهام وأحلام دول إقليمية ومشيخات تورّمت في الدور والهدف والوظيفة، والتي تشكّل أساس المشكلة وجوهر المعضلة، وسيبقى أي حديث آخر دون لجم أوهامها وأحلامها معاً مجرّد ذرّ للرماد في العيون.
فدورها ليس وظيفياً محكوماً باعتبارات المهمة الخرائطية التي أنتجها «سايكس بيكو»، ولا هي مقتصرة على المهام الموكلة إليها تاريخياً من قبل الغرب ومنتجاته في المنطقة، بل بات أشدّ خطراً من الإرهاب ذاته، ومكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح دون مكافحة تلك الدول، بالتوازي مع مواجهة الإرهاب ذاته، وربما قبله في بعض الظروف والأحيان !! ودون ذلك لا معنى لتسويات ولا لأي حلول، كما لا معنى لأي تحالفات قائمة أو ستقوم ولا لأي حروب معلنة أو غير معلنة.
وهذا ينسحب على الأحلاف والأفراد الاعتباريين وغير الاعتباريين..القادمين بمهمات محددة سلفاً أو الطامحين للنجاح في مهماتهم الأممية.. اختصاراً لطريق لا نريد أن يتوه فيه الجهد الدولي الممثل اليوم بالمبعوث «دي ميستورا» الذي نأمل ونتمنى أن يتجاوز مطبّات من سبقه وألا يحيد عن أولوية مكافحة الإرهاب أو يوازيها أو يتغافل عنها، والتي تتفوّق على سواها وتتفرّد في الحاجة إليها بعد أن دفعت التطورات إلى تأجيل كل الأولويات الأخرى جانباً وستبقى كذلك!!
a.ka667@yahoo.com