الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد

نضال العبدو:

شهد الأسبوع الحالي عدة حوادث انفجار للألغام الأرضية، ما زاد عدد ضحاياها في صفوف السوريين، شمال وشرق ووسط البلاد، في مشهد لا يزال يتكرر منذ سنوات، لكنه برز إلى الواجهة عقب سقوط النظام البائد.

تمثل الألغام الأرضية بنوعيها (المضادة للأفراد وللدروع)، إلى جانب الذخائر غير المنفجرة مشكلة كبيرة تواجه المواطنين اليوم، وقد بدأت تداعياتها منذ اليوم التالي لسقوط الأسد، بسبب الحاجة لتجهيزات وفرق مختصة، وسط ضعف في الإمكانات.

وفيما عمل الدفاع المدني السوري ضمن حدود قدراته المتاحة قبل سقوط النظام على تحييد وتفكيك ما أمكن من تلك الأجسام الخطرة، فقد بادر فور تحرير مساحات شاسعة إلى التحرك في المناطق الأكثر خطراً على تخوم خطوط التماس السابقة، خصوصاً في الشمال الغربي، وقد جدد نداءاته المتكررة للأهالي بتوخي الحذر ريثما يتم حلّ الملف نهائياً، مؤكداً أن الموضوع بحاجة لقدرات كبيرة وخاصة.

واستطاعت أخيراً وزارة الدفاع السورية، في إحدى أوائل إنجازاتها، التحرك بشكل جيد في هذا الملف، عبر إطلاق حملة تمشيط واسعة بريف حماة، عقب استقدام آليات تركية مخصصة لذلك.

في تصريح خاص لجريدة الثورة، أكد المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع السورية، أن الأخيرة تخطط لمرحلة ثانية في عملية إزالة الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة بعد الانتهاء من ريف حماة، وستشمل منطقة أبو الضهور في شرقي مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، وسهل الغاب بريف حماة الغربي والبادية السورية وسط البلاد، باعتبار أن الأخيرة خضعت لسيطرة نظام الأسد البائد وتنظيم داعش اللَّذين كَثُرت أعمالهم في زرع الألغام إبان وجودهم هناك.

من جانبه قال منسق برنامج مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، محمد سامي المحمد، في تصريح خاص لجريدة الثورة، إن الألغام والذخائر غير المنفجرة تنتشر في عموم البلاد التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، وليس فقط في مناطق محددة، لكنها تتركز في الشمال الغربي، كما زوّدَنا بخريطة توضح ذلك الانتشار الواسع، مؤكداً أن حجم الترسانة العسكرية الهائل التي تم قصف المدنيين بها، كبير جداً ما أدى لنشر مخلفات الحرب في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية والأراضي الزراعية.

خريطة للمناطق الملوثة بالذخائر غير المنفجرة من 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 آذار 2025:

يقول أدهم بلال، من أهالي مدينة سراقب شرقي إدلب (وهي مصنفة من المناطق الأكثر خطورة لأنها تضم أعلى كثافة من الألغام والمخلفات) إن المعاناة لا تقتصر على قضية الألغام وإن مشكلة الصواريخ الروسية غير المنفجرة تمثل تهديداً حقيقياً وكبيراً لحياة الأهالي ونشاطاتهم اليومية، مؤكداً أن أحد تلك الصواريخ لا يزال مدفوناً تحت الأرض منذ سنوات في أكثر مناطق المدينة كثافة على الإطلاق.

خريطة توزع حقول الألغام التي حددتها فرقنا من 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 آذار 2025

وأوضح بلال أن إحدى الطائرات الروسية، قصفت مفرق السوق الجنوبي، وهو أهم نقطة ازدحام بالمدينة، عام 2018، لينزل الصاروخ عدة أمتار تحت الأرض دون أن ينفجر، ولا يزال هناك حتى اليوم.

وبعد سقوط النظام وتوقف عمليات القصف، ناشد الرجل كافة الجهات المعنية لانتشال الصاروخ، موضحاً أن الدفاع المدني بذل جهده لكنه لم يستطع، فاستخراج جسم خطير كهذا يحتاج معدات ومختصين، فيما لا يزال تحت الأرض كمصدر خطر محدق بسكان المدينة التي لم تتعافَ بعد من آثار حقبة الأسد، كما أكد الأهالي وجود صاروخ روسي آخر غير منفجر تحت الأرض في منزل بالحي الغربي من المدينة.

وحول ذلك يقول منسق برنامج مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، محمد سامي المحمد إن تلك الصواريخ غير المنفجرة ليست حالات فردية هنا وهناك، بل تنتشر على مساحات واسعة، ما يجعل حل القضية خارج نطاق قدرات “الخوذ البيضاء”، منوهاً بأن الخطر لا يقتصر على ما تخلفه من ضحايا فقط، بل لها آثار آخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطراً على حياتهم، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف، كما تؤثر تلك المخلفات على عودة السكان لمنازلهم ولاسيما في المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مكثف أو التي كانت خطوط التماس وهي الأكثر تلوثاً.

وتؤدي الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة لحرمان مجموعات سكانية بأكملها من المياه والأراضي الزراعية والرعاية الصحية والتعليم، كما تعيق أعمال الإغاثة وقد تحرم السكان من المساعدات الإنسانية بسبب المخاطر، وتعد الإصابات الناجمة عن مخلفات الحرب كارثية لتسببها بإعاقات دائمة على الأغلب، إذ يؤدي انفجارها إلى الإصابة بجروحٍ شديدةٍ قد ينجم عنها تمزقٌ في الأعضاء الداخلية وتضررٌ في الأجزاء الحيوية للجسم، أو بترٌ في الأطراف أو فقدان حاستَي السمع والبصر.

كما يمتد الأثر السلبي إلى إمكانية الحصول على المأوى، حيث يؤكد الدفاع المدني أن مخلفات الحرب واحدة من أكبر عوائق عودة النازحين لمنازلهم وخاصة في المناطق التي كانت نقاط تماس أو تعرضت للقصف، فضلاً عن الأثر الاقتصادي السلبي على المجتمعات الهشة كما في شمال غربي سوريا.

يروي أحد رعاة الأغنام من ريف إدلب الشرقي معاناته اليومية، مؤكداً أنهم من أكثر الفئات عرضة لهذا الخطر، بسبب اضطرارهم للبحث عن المرعى في أماكن متجددة يومياً، فيما عرف المزارعون مكامن الخطر والمناطق الآمنة ما حدّ من تعرضهم للتهلكة وإن كان الوضع لا يزال صعباً على الجميع.

تعرض أحد أبناء الرجل لبتر في ساقه اليمنى، الشهر الفائت، حيث كان الصبي يرعى بعض أغنامه قرب “معمل الويس” على أطراف سراقب الشرقية، إذ لا تزال منطقة المعمل من المناطق الخطرة لأن قوات الأسد حولتها لثكنة عسكرية سابقاً.

وأمام هذا الواقع تؤكد وزارة الدفاع في تصريحها عبر مكتبها الإعلامي أن المساحات الشاسعة التي تحتاج للكشف عن الألغام ومخلفات الحرب فيها، تضع الوزارة أمام تحديات كبيرة، موضحاً أن الآليات التركية التي حصلت عليها لا تكفي في المرحلة الراهنة، وبالتالي فإن سد الاحتياج اللازم والسرعة في تنفيذ الخطة يتطلب مزيداً من الدعم بآليات وتقنيات الكشف عن الألغام والذخائر غير المنفجرة على حد سواء.

وفي ردها على سؤال حول شكاوى العديد من السكان خصوصاً في ريفي إدلب ودير الزور، قالت الوزارة: “نؤكد لأهلنا أن أبناءكم في وزارة الدفاع على أتم الجاهزية والاستعداد لينظفوا كامل المناطق التي حُررت مؤخراً من نظام الأسد البائد من الألغام ومخلفات الحرب، والحفاظ على أرواح المدنيين وتجنيبهم المخاطر من أولويات عمل وزارة الدفاع، والمناطق كلها وضعت ضمن الخطة للعمل عليها، وعليه فإن وزارة الدفاع تهيب بالإخوة المواطنين عند العُثور على أجسام غريبة أو ألغام إخبار أقرب نقطة عسكرية للتعامل معها”.

متى يمكن إعلان البلاد خالية من الألغام؟

تقول وزارة الدفاع إنها لم تحدد سقفاً زمنياً لنهاية الخطة الموضوعة لإزالة الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة، منوهة بأن الأمر مرتبط بالتحديات التي تواجهها فِرق الهندسة ومنها قلة الآليات المخصصة لهذه المهمة، واتساع البقعة الجغرافية التي تحتاج إلى التنظيف من مخاطر الألغام، فضلاً عن أن تلك الألغام والذخائر غير المنفجرة زُرعت بطريقة عشوائية؛ بالتالي لا يتوفر لها أي مخطط أو خريطة لتستطيع الفِرق معرفة مكانها بدقة.

وبحسب محمد سامي المحمد، فإن فرق الدفاع المدني تمكنت – منذ بداية عملها – من إزالة أكثر من 28 ألف ذخيرة من مخلفات الحرب منها أكثر 23 ألف قنبلة عنقودية، لكنه لفت إلى وجود أنواع أخرى منها كقنابل الطائرات المدفونة تحت سطح الأرض بعدة أمتار، وهو ما يجعل إزالتها أمراً صعباً. وأضاف أن الذخائر غير المنفجرة مختلفةٌ في آليتها عن الألغام، إذ إنّ الألغام زرعت بغرض التسبب بإصاباتٍ، بينما تكون الذخائر غير المنفجرة عبارةً عن أدواتٍ فشلت في أداء عملها، فقد لا تنفجر أبدًا أو قد تنفجر بأي لحظة ولا يمكن تحديد مدى تأثيرها وخطرها على ما حولها، وطوال السنوات الماضية وثقت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري استخدام نظام الأسد وروسيا أكثر من 70 نوعاً من الذخائر المتنوعة في قتل المدنيين منها 13 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً.

أما “الألغام فهي تخلف إرثاً يستمر أمداً بعيداً، وإن لم تقتل فإنها تُحدث إصابات ومعاناة شديدة، وكثيراً ما يكون الضحايا من الأطفال، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ينوء بها الضحايا وأسرهم مدى الحياة، وإن وجود ألغام أرضية يجعل من المستحيل استخدام مساحات شاسعة من الأراضي، ما يعرض إنتاج الغذاء لخطر بالغ ويدمر سبل العيش، وغالباً ما يستمر تأثير الألغام على المجتمعات عقوداً طويلة”.

دور بارز للدفاع المدني إلى جانب وزارة الدفاع

يؤكد الدفاع المدني أن العمل في قطاع مخلفات الحرب يتطلب التنسيق بين جميع الجهات العاملة فيه، سواء كانت مؤسسات حكومية، أو منظمات أممية أو دولية، أو محلية.

الخريطة لعمليات إزالة مخلفات الحرب من 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 آذار2025

وقد حددت فرق مسح مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري 141 حقلاً ونقطة تنتشر فيها الألغام، في المناطق المدنية وبالقرب من منازل المدنيين وفي الحقول الزراعية والمرافق، وعثرت الفرق على العشرات من حقول الألغام التي تحوي الألغام المضادة للآليات والمضادة للأفراد المحرمة دولياً، والتي تسببت حالات انفجارها بمقتل وإصابة العشرات من المدنيين خلال الأيام السابقة، وباتت تشكّل خطراً يهدد الحياة ويقوض عودة المدنيين لمنازلهم والعمل في مزارعهم بمناطق واسعة في سوريا.

ولا تزال فرق إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) تواصل أعمالها التي تتنوع بين عمليات المسح غيرالتقني، وتحديد المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، وإزالة المخلفات، فضلاً عن جلسات التوعية، حيث أجرت منذ 1 نيسان 2024 حتى 1 نيسان 2025، أكثرمن 2300 عملية إزالة وتمّ التخلص فيها من 2931 ذخيرة غير منفجرة، مع تنفيذ أكثر من 1185 عملية مسح غير تقني، حيث تمّ تحديد 832 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب. وبعد سقوط نظام الأسد والتغيرات التي حدثت وتلاشي خطوط التماس وعودة جزء من المهجرين لمنازلهم ازدادت بشكل كبير حوادث انفجارالمخلفات، ما دفع الفرق لزيادة عملياتها، حيث أزالت منذ 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 نيسان 2025، أكثر من 1450 هدفاً وتمّ التخلص فيها من 2059 ذخيرة غير منفجرة، وتمّ تنفيذ أكثر من 370 عملية مسح غير تقني، وتمّ تحديد 453 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب. وتعمل حتى الآن 6 فرق في مجال المسح غير التقني، حيث تقوم بمسح القرى والمجتمعات على مرحلتين؛ تشمل الأولى جمع الاستبيانات من المجتمع المحلي بمختلف أطيافه للوصول للمناطق الملوثة كأساس لوضع الخطط، وتحديد المناطق الخطرة والأشخاص الأكثرعرضة للخطروالتخطيط لعمليات المسح الأولي والتطهير والحدّ من المخاطر وأنشطة التوعية بالمخاطر ووضع الأولويات الخاصة بذلك.

أما المرحلة الثانية فتشمل تحديد المناطق الملوثة ورسم الخرائط اللازمة وإرسالها لفرق الإزالة التي تقوم بعملية البحث التقني لاحتمالية وجود الذخائر في المنطقة المستهدفة، والتخلص النهائي من الذخائر كلّ ذخيرة على حدى ومن دون أن يتم نقلها أو تحريكها. وتجري عمليات الإزالة (التخلص النهائي) كمرحلة أخيرة، فبعد الوصول للمنطقة الملوثة والمحددة من قبل فريق المسح تبدأ عملية بحث بصري وبمساعدة الأجهزة في المكان الملوث بشكل دقيق وتتم عملية إتلاف الذخائر (كل ذخيرة على حدى) بحرفية عالية ومهنية من قبل الفرق التي تحرص على إتلافها بشكل كامل. يشار إلى أن “الخوذ البيضاء” تخطط لزيادة عدد ونوعية تدريب الفرق العاملة في إزالة مخلفات الحرب، ويشمل ذلك رفع عددها من 6 إلى 11 فرقةً، وزيادة عدد فرق المسح غير التقني إلى 10 فرق، واستحداث 8 فرق توعية وتدريب، وفرق إزالة يدوية وميكانيكية للألغام.

آخر الأخبار
استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين من دمشق إلى واشنطن ونيويورك.. الدبلوماسية السورية تدفع بقاطرة الاقتصاد إلى الواجهة الدولية