الثورة-هفاف ميهوب:
لم تكن الحرب يوماً، إلا سبباً في شقاءِ ودمارِومعاناة البشرية، مثلما في جعل غالبية مبدعيّ العالم، ولاسيما من عاصروها، ينبرون لوصفها عبر أعمالٍ، هي ذاكرة حياتهم المُثقلة بصورِ البشاعةِ والوحشية.
البعض منهم، شارك فيها ودوّن يوميات فجائعها، والبعض الآخر تمنى الموت، كي لا تبقى ذاكرته مدمّاة بندوبها وتقيّحها.
إن ما حصل مع «دوريس ليسينغ».. الكاتبة والروائية البريطانية التي رافقتها مشاهد الحرب طوال حياتها، فسبّبت لها قلقاً انعكس على أعمالها، ودفعها للقول في أحد تصريحاتها:
«سأكون سعيدة عندما أموت، هذا ما سيجعلني أتوقّف عن القلق، بسببِ كلّ هذه الحروب».
كيف لا؟.. وقد ترعرعت على الصورالمروّعة للحرب التي كان والدها جندياً فيها، وبسببها بُترت إحدى ساقيه.. الحرب العالمية الأولى، التي كانت والدتها أيضاً، تعمل فيها كممرّضةٍ تداوي الجرحى، وترى صور القتلى مع طفلتها التي داومت على مرافقتها، فشعرت بتشاؤمٍ استمرّ، إلى أن بلغت الرابعة والثمانين.
في هذا العمر، ختمت أعمالها بـ «ألفريد وإيميلي». الرواية التي سبرت فيها حياة والديها التي حطمتها الحرب، وتخيّلت مقدار جمال هذه الحياة، بعيداً عن الحقد والاقتتال والتمييز العنصري..
لم تكن «ليسينغ» وحدها من كرهت الحرب وجسّدت ويلاتها، فمنذ بدءِ التاريخ، نجد أن شعراء وأدباء ومفكّري العالم، يسخرون منها ومن مآسيها، قائلين عن عبثيّتها وفظاعتها:
«لا تظن أبداً أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبرَّرة، ليست جريمة.. ما أعرفه أن الفعل الأخلاقي، هو الذي تحسّ بعده بالراحة، وغير الأخلاقي هو ما تحسّ بعده بعدمِ الراحة».
هذا ما قاله «إرنست همنغواي».. الكاتب والأديب الأميركي الذي شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية، والذي عمل كمراسلٍ حربي، شُغفَ ورغم مناهضته للحرب، بتحويل القصص التي عاشها، إلى مادة لأكثرمن عملٍ روائي.
يؤكّد ذلك مضمون روايتيه «وداعاً للسلاح» و»لمن تُقرع الأجراس». حيث صوّر أهوال الحرب وويلاتها.. الحرب التي دفعه تدميرها، حتى للأرواح التي يبقى أصحابها أحياء، للتساؤل عن سبب خوضها وغايتها:
«ما هذه الحرب التي حوّلت الجميع ضدّ الجميع؟ ما الغايةُ منها؟. من الخاسر ومن الرابح؟. كيف لك أن تخوضَ حرباً لمجرّد أنه قيل لك: «خض حرباً؟». ما معنى الواجب في أبعادهِ الأخلاقية والاجتماعية والوجودية؟»..
كُثرٌ من مبدعي العالم، ومنهم الفلاسفة أيضاً، كرهوا الحرب وناهضوها، ودوّنوا يومياتها التي قد توافق أو تخالف، ما دوّنه الفيلسوف الفرنسي «جان بول سارتر» في «دفاتر الحرب الغريبة». الكتاب الذي ضمّنه ملاحظات، تعبّر عن المفارقة التي جعلته، جندياً مشاركاً في الحرب، في الوقت الذي كان فيه، من أكثر المثقفين الفرنسيين رفضاً لها.. عبّر أيضاً، عن شعوره بالغثيان، لأنه بات ينتمي إلى «إنسان القطيع» الذي كان يقف دوماً ضدّ أفكاره، وضد الحياة البهيمية والمذلّة التي يعيشها.
هذا عن دفاتر الحرب لدى «سارتر»، أما عن دفاترها لدى الأديب الروسي «تولستوي»، فقد كانت ساحاتٌ لأحداثِ «الحرب والسلام».. الرواية التي تجعل القارئ يشعر بأنه يعيش تفاصيل أحداثها، وبأنه يغضب وينفعل، انفعال «تولستوي» عندما وصفَ الإنسان الذي يقرّر شنّها:
«الإنسان بطبعه بربريّ دمويّ، ولو أردتَ تحقيق السلام في الأرض، فعليكَ أن تُغيِّر دماء الناس إلى ماءٍ، وهذا لن يتمّ»..