الملحق الثقافي- رولا محمد السيد:
غالباً ما تأتي الكتابة للكشف عن مكنونات شخصية الكاتب نتيجة لما راكمته الأحداث والأزمنة التي مرّ بها وتفاعله معها، لتخرج في صيغة يخطّها الحبرالأسود على الورق الأبيض، وتصدر إنتاجاً أدبياً له رونقه المعبر، خاصة إذا صدرعن مناضل سياسي فلسطيني له باع كبير في الخبرة السياسية والعمل الكفاحي إلى جانب تجربته الحياتية والمهنية.
في كتابه (دمشق – الفالوجة .. طريق العودة ) ، عمل الكاتب كمال الحصان على صوغ مشاعرالشوق للعودة إلى الوطن، الذي هجروأهله من قسرا .
صحيح أن الكتابة لم تكن حرفة لمهندس درس الهندسة واشتغل بها بعد تخرجه، لكن تراكمت الحياة والبعد عن الوطن ، ثم اشتغاله بالعمل السياسي كونه فلسطينياً أولاً وباعتباره من حزب البعث الذي جعل فلسطين قضيته الرئيسية ثانياً.
هذا الكتاب الذي قدّمه الأديب العربي حسن حميد، ليس مذكرات أو سيرة ذاتية، وإنما هو كتاب يسطر فكر الكاتب وثقافته من منظورمواقفه التي جسدها طوال سنوات عدة امتازت بالحضور والروح الوطنية في خدمة القضية الفلسطينية من خلال نضاله في صفوف منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة بدءاً من أواخر عقد الستينات وحتى أيامنا الراهنة.
لم تكن الكتابة حرفة المهندس كمال الحصان الذي عمل باختصاصه طوال سنوات، لكنّه في الوقت ذاته وقف وناضل مدافعاً عن وطنه فلسطين، لكن المعطيات التي تراكمت في صدره، والتساؤلات التي شغلت فكره بحثاً عن أجوبة لها دفعته إلى عالم الكتابة السياسية، كما دفعته إلى الكتابة الأدبية.
في كتابه، يقول كمال الحصان : إن ما دفعه إلى الكتابة هو الكم الهائل من القراءات والكتابات السياسية المنتشرة في الصحف والمجلات والكتب السياسية للوصول إلى التحليل السليم والتقييم والرؤية الفكرية الخاصة.
في كتابه (دمشق – الفالوجة.. طريق العودة)، خرج بخلاصة مشتركة تمثلت في الأدب السياسي.. ووضع بين دفتيه خبرته وشوقه ، صاغها بفكر مناضل فلسطيني وضع أدبه وكتاباته في خدمة قضيته .
الكتاب هو موافقات عاشها الكاتب وعايشها، وأراد أن يترك بصمته ورؤيته وفكره وموقفه في مجمل التطورات التي عاشتها القضية الفلسطينية من تحولات وتغيرات في مواجهة المخطط الصهيوني. وكذلك من المؤرقات التي دهمت النضال الفلسطيني، ومنها: الميثاق الوطني الفلسطيني، وحق العودة، والثوابت الفلسطينية، ومفرزات المشروع الصهيوني في مستوطنات وتهويد واتفاقات.. كلها أبدت الانحناء الفلسطيني وروح الخذلان الذي وسمت أفعاله.
وفي هذا الكتاب وقفات رائية بعين مهندس درّب عقله على السلوك العلمي والإيمان به، مثلما درّب روحه على مؤاخاة التاريخ والاستئناس بأحداثه ووقائعه وأخذ خلاصاته والعمل بها، وفي مقدّمتها خلاصة شديدة الأهمية هي : إن الشعوب تخسر .. ولكنها لا تهزم.
وبالمجمل ، يضم الكتاب بين دفتيه، كتابات فكرية وسياسية وثقافية، تعبرفي مجموعها عن مكنونات ذات الكاتب والمهندس كمال الحصان التي ماشت النضال الفلسطيني في أصعب فتراته وأخطرها، وهي مقالات يتوزعها الزمن البعيد والقريب، مثلما يتوازعها همّان متلازمان أولهما :سياسي، وثانيهما: ثقافي.
الفالوجة قرية الكاتب التي أخرج منها قسراً من وطنه الحبيب فلسطين بسبب الاحتلال ، لكن وبانتظار العودة ، فقد أحب سورية موطنه الذي يقطنه اليوم بقلب فلسطيني، وعشق فلسطين بقلب سوري.
العدد 1192 – 4 -6-2024