الملحق الثقافي- عبد الكريم العفيدلي:
لوتأملنا في بعض حقائق الكون لأدركنا حجم أخطائنا التي سلمنا بها دون أن نكلف أنفسنا عناء التأمل والفهم ، ومن هذه الحقائق أنه درج في تاريخ الأدب العربي التغزل والتغني بالقمر وتشبيه كل ماهو جميل به ،والحقيقة العلمية أثبتت بأن للقمر وجهين أحدهما لانراه لأنه مظلم ،أما الوجه الذي نراه جميلاً هوبسبب هبة النورالتي تمنحها الشمس له عندما تريد أن تستريح كي يستمر الضياء بالكون ، فتصور لولا هذه الهبة كم كان منظره قبيحاً !
وإذا أخذنا بالتذكير والتأنيث مع هذا المثال نكتشف كم نحن مزيفون ، فالشمس هي المرأة والقمرهو الرجل ولولا عطاء المرأة لما كان صنّاع التاريخ الذي نتغنى به ، ومنه ندرك بأن الملهمة وإن اختلف في ماهيتها منذ عصراليونان هل هي أنثى حقيقة أم أنثى مثال يستلهمه الرجل فإنها تحرض على الإبداع .. ولورجعنا إلى تاريخ الشعرالعربي لوجدنا أن الشعر بدأه العرب بالوقوف على أطلال المحبوبة ،وشكل هذا الوقوف مذهباً درج عليه شعراء الجاهلية بقصد التشويق واجتذاب الأذواق ولولا هذه المحبوبة الملهمة لما كانت هذه المعلقات التي علقت بأنفس الأجيال إلى يومنا هذا .ومن يتتبع مسيرة الشعر العربي في مراحله المتعددة يجد أن المرأة الملهمة كانت حاضرة ولم يقتصردورها على إشعال فتيل الشاعرية وحسب ، بل كانت ضرورة ولاسيما بالمرحلة الرومانسية التي قامت بثورة على التقليدية الموروثة .
وقد يقول قائل :بأن الملهمة ليست إلا خرافة يصنعها الشاعر في مخيلته كي تذكي جذوة شاعريته وليس بالضرورة أن تكون قريبة منه بروحها وجسدها وترتبط بحالة القصيدة ،قد يكون في هذا الرأي وجهة نظر إنما في الإلهام مثلما تكون هناك دوافع عاطفية تحرض على الكتابة أيضاً هناك دوافع عقلية تحرض على الكتابة وكلاهما يشكلان حالة الانفعال الذي ينطلق منه الدفق الشعوري .
فالمرأة الملهمة وإن اختلف في ماهيتها لايمكن إنكاردورها في الحالة الإبداعية وماهي الا امتداد للعلاقة بين الشعر والعشق ،فالعشق يفجر صخرة الإلهام وتقوم به كلّ طقوس الشعر .
العدد 1192 – 4 -6-2024