تعود معرفتي الشخصية المباشرة بفارس زرزور الكاتب الروائي الكبير لأكثر من أربعة عقود خلت، عندما وطأت قدماي أول مرة مبنى صحيفة الثورة في زيارة خاصة خرجت بعدها موظفاً فيها باشر دوامه في اليوم التالي، من دون وجود أي فكرة مسبقة عن العمل فيها، وأنا المتخرج في قسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة دمشق، فكانت زيارتي فاتحة مشوار جديد وبداية حياة لم تكن ضمن السياق الدراسي لتعليمي الجامعي، لكن ذلك اللقاء بكاتب روائي كبير بحجم فارس زرزور ومعرفتي بأنه موظف في جريدة الثورة شكل دافعاً كبيراً لي في تلك المرحلة، وكان إلى جواره كل من ممدوح عدوان ومروان صواف ومحمود السيد الكاتب والشاعر محمد مصطفى درويش والفنان والمسرحي والصحفي لؤي العيادة .
وكان وجود تلك الكوكبة من الكتاب والشعراء والفنانين والمبدعين الدافع الأكبر الذي جعلني أوافق على العرض الذي قدم لي لأعمل في صحيفة كبيرة فيها كبار الصحفيين والكتاب لأجد نفسي في صباح اليوم التالي عاملاً في دائرة التوثيق والمعلومات وفي متناول يدي الكثير من المطبوعات العربية والأجنبية بما فيها تلك الممنوعة من التداول في الأسواق، فكانت مناسبة لمزيد من القراءة من جانب ومجالسة أولئك المبدعين من جانب آخر، ليأخذ فارس زرزور حيزاً واسعاً من تلك الجلسات إذ كان يعيش حالة إبداعية غريبة يشكو فيها من فقدانه للإحساس وعدم قدرته على الكتابة العميقة بسبب تغيير دمه وفق ما يعتقد الذي تم في موسكو بعد أن دعاه صديقه رسول حمزاتوف رئيس اتحاد الكتاب السوفييت للاحتفاء به كمبدع يدرس الباحثون السوفييت أدبه ويقدمون به رسائل الدكتوراه، وكان يعاني من آلام شديدة في المعدة فعولج منها، لكنه عندما دعي للولايات المتحدة الأمريكية بعدها اتهم السوفييت بأنهم استبدلوا دمه بدم حمار ففقد الإحساس وهو يدعوهم للرد العلمي والعملي والأيديولوجي فيعيدون له دمه البشري الذي يمكنه من تناول الكحول ويجعله يبدع ، فأدخلوه إلى مستشفياتهم لكنهم عجزوا عن القيام بما طلب، فعاد ليقول إن السوفييت أكثر تطوراً من الأميركيين في مجال الطب، فيضحك ويضحك الموجودون، ليتابع بعدها أنه يمتلك الكثير من الأصالة، وهو الذي خدم ضابطاً في سلاح الخيالة، وكان في الجبهة في حوران، وهو قد عاش شبابه في حوران، لكنه حين جوبه بالمسؤولية عن روايته الحفاة وخفي حنين في مسلسل السنوات العجاف قال بأنه بريء منه كلياً، لأنه فارس في حالة الرخاء، أما في الملمات والخطر فهو زرزور، ويستمر الضحك حتى يرحل إلى جوار ربه.
