الثورة – ترجمة ختام أحمد:
في عالم يزداد استقطاباً، تبرز الصين كلاعب مهم في السعي إلى تحقيق السلام العالمي. وتؤكد دعواتها المستمرة إلى وقف إطلاق النار الفوري والمفاوضات المباشرة بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا والصراع بين فلسطين و”إسرائيل”، فضلاً عن استضافتها مؤخراً لمسؤولين رفيعي المستوى من الأطراف المعنية في بكين، على جهودها العظيمة وإمكاناتها الفريدة في التوسط في هذه الأزمات.
لقد توسطت الصين مؤخراً في التوصل إلى تعهد تاريخي بالوحدة بين 14 فصيلاً فلسطينياً في بكين، في حين اختتم وزير خارجية أوكرانيا دميتري كوليبا زيارة استمرت أربعة أيام إلى الصين، حيث أكدت بكين استعدادها لمواصلة لعب دور بناء في الضغط من أجل وقف إطلاق النار.
وتتمتع الصين، بفضل نهجها البراغماتي وقيمها الفلسفية الراسخة، بمكانة جيدة تسمح لها بالاضطلاع بدور محوري في حل هذه الصراعات.
تتميز السياسة الخارجية للبلاد بنهج عملي أثبت فعاليته على مدى عقود من الزمن. ساعدت دبلوماسيتها الاقتصادية في تشكيل مجموعات مؤثرة وتعزيز العلاقات المستقرة، حتى في السيناريوهات المعقدة. لاحظ السفير الفلبيني الراحل لدى الصين، تشيتو سانتا رومانا، أن الصين نجحت في حل العديد من النزاعات الحدودية من خلال المفاوضات الثنائية الصبورة. يمتد هذا النهج البراغماتي إلى علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا، حيث تجعل العلاقات التجارية الكبيرة للصين منها طرفاً مهماً. وبالمثل، فإن علاقاتها المتطورة في الشرق الأوسط – والتي أبرزتها العلاقات التاريخية العميقة مع القادة الفلسطينيين – تثبت فعاليتها الدبلوماسية.
إن الدبلوماسية الصينية متأثرة بشكل عميق بالفلسفات الكونفوشيوسية، والتي تؤكد على الانسجام والتوفيق بين التناقضات. وتدعو الكونفوشيوسية إلى الاستقرار الاجتماعي والنظام. وكما يقول المثل الصيني، “الانسجام ثمين”، مما يعكس التزام البلاد بالحفاظ على الانسجام في جهودها الدبلوماسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عبارة “الرجل النبيل يسعى إلى الانسجام وليس التوحيد” تؤكد على أهمية تحقيق التوازن مع احترام الاختلافات.
وتشكل هذه المبادئ القديمة دليلاً لجهود الصين في حل النزاعات، بهدف التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة وتعزيز التفاهم المتبادل.
تشكل المبادئ الخمسة للتعايش السلمي ــ الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي ــ حجر الزاوية في الاستراتيجية الدبلوماسية الصينية. وفي الصراع بين روسيا وأوكرانيا والصراع بين فلسطين و”إسرائيل”، أكدت الصين على هذه المبادئ من خلال الدعوة إلى المفاوضات المباشرة واحترام مخاوف جميع الأطراف. ويتوافق هذا النهج مع رغبة المجتمع الدولي في التوصل إلى حل عادل ومتوازن لهذه الصراعات.
إن مبادرة الأمن العالمي، التي اقترحها الرئيس شي جين بينغ خلال منتدى بوآو في نيسان 2022، تدعم رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام. وهي تسعى إلى تحقيق الهدف الطويل الأجل المتمثل في بناء مجتمع أمني وتدعو إلى مسار جديد للأمن يتميز بالحوار بدلاً من المواجهة، والشراكة بدلاً من التحالف، والفوز للجميع بدلاً من المحصلة الصفرية. وتحدد ورقة المفاهيم 20 أولوية للتعاون، بما في ذلك دعم الدور المركزي للأمم المتحدة في حوكمة الأمن، ودعم الجهود الرامية إلى منع الحرب والصراع، وتطوير بنية بناء السلام، وتعزيز إعادة الإعمار بعد الحرب.
وتتمتع الصين بنفوذ اقتصادي متزايد. وباعتبارها الشريك التجاري الأكبر لكل من روسيا وأوكرانيا، فإنها تتمتع بنفوذ كبير في هذه المفاوضات. كما تعمل علاقاتها الاقتصادية مع “إسرائيل” ودعمها الطويل الأمد للقضايا الفلسطينية على تعزيز قدراتها في الوساطة. ويوضح نجاح الصين في التوسط في المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران مدى تطورها الدبلوماسي وقدرتها على إدارة القضايا الدولية المعقدة. ويعكس المثل الصيني “تحمل لحظة غضب للحفاظ على السلام؛ وتراجع خطوة للحصول على منظور أوسع” الصبر الاستراتيجي والتنازل الذي يدعم النهج الدبلوماسي الصيني.
إن المصالح الاستراتيجية للصين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار العالمي. ومن خلال تيسير محادثات وقف إطلاق النار، لا تعمل الصين على تعزيز مكانتها العالمية فحسب، بل إنها تتماشى أيضاً مع أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية.
إن البيئة العالمية المستقرة تشكل ضرورة أساسية لاستمرار النمو الاقتصادي للصين وتحقيق أهدافها الاستراتيجية الطويلة الأجل. إن الصين، التي كانت ضحية للغزوات الأجنبية تاريخياً ولم تكن قوة استعمارية قط، تكره وتعارض الفوضى واللا أخلاقية الناجمة عن الحرب.
ومن ثم، يمكن الاستنتاج أن المزيج الفريد الذي تتمتع به الصين من البراغماتية التاريخية والعمق الفلسفي والقوة الاقتصادية الصاعدة يجعلها وسيطاً رئيسياً في الصراعات في أوكرانيا وغزة.
وعلى الرغم من التحديات المستمرة، فإن التزام الصين بالتعايش السلمي ومصالحها الاستراتيجية في الاستقرار العالمي توفر الأساس القوي لتسهيل مفاوضات وقف إطلاق النار. ومع تركيز الاهتمام العالمي على هذه الصراعات، نأمل أن تمهد جهود الصين الطريق أمام حلول أكثر توازناً وحسماً واستدامة لهذه الأزمات.
المصدر – تشاينا ديلي