المثقّف في مصيدةِ الضّوء

الملحق الثقافي- رنا بدري سلوم:

«سأردُ له الصاع صاعين.. سألجأ إلى صديقي الإعلامي لتنظيم لقاء تلفزيونيّ، وسأتطرق إلى الاتهامات التي تدور حولي، سأجيبه على الملأ ولجميع من ينتظرون ردّي» بهذا الأسلوب يلجأ معظم الفنانين كتاباً شعراء مسرحيين مخرجين إلى الإعلام، فيعومون لشرح المشهد الثقافي المؤثّر، ظانين أنهم يضعون الملح على الجرح، ليصبح الإعلام وكما يقال بوقاً لهم وفي أي وقت وكل حين، نتحمّل مسؤولية ما يحدث، لكن الموقف الطارئ بات دائم التواجد، وهذا ليس غريباً للأسف!
فوظيفة الإعلام تمثيل الرأي العام وتمثيل المؤسسات، ومنها الإعلان التجاريّ والتسويق والدعاية والتواصل مع الجمهور والتواصل السياسي، الترفيه مثل التمثيليات والموسيقا والرياضة والقراءة العامة، ثم ظهر خلال أواخر القرن الماضي الفيديو وألعاب الحاسوب، وتقديم الخدمات للجمهور ومنها الإعلانات، إذا الإعلام له وظائف قد تعد لكنها لا تحصى إن أجدنا تخصيصها للكثير من قضايا المجتمع وتثقيفه تربوياً وتنويرياً وثقافياً وعلمياً ولوجوستياً.
صناعة الهويّة
لا يقع على عاتق الإعلام صناعة جيل جديد مثقّف وحسب، بل العالم الافتراضي أيضاً، ونحن نحلّق في العالم الأزرق، ونتحوّل إلى أرقام، اتكلنا بعض الشيء على سرعة تأثيره فبدا رسالته أسرع نحو ما يرنو إليه متابعوه من كافة الشرائح المجتمعية، والشهرة هي المطلب الأوسع لكل متعاطي هذا العالم ولا ننكر أننا منهم، فالفنان الرسام يعرض لوحته على صفحته الشخصية عبر السوشال ميديا قبل أن يعرضها في معرضه الفني الخاص به، والشّاعر ينشر قصيدته عبر صفحته قبل أن يطبعها في ديوان أو ينشرها في مجلة ثقافيّة، والنحّات، والممثل يعرض البروفا قبل المشاهد الحقيقية لمسرحيّته، وهكذا، ليصبح هناك خلط كبير بين الغث السمين في العالم الافتراضيّ الذي أقعد الإعلام الرسمي جانباً، لسرعته وتجاوبه وعالمه المنفتح على عوالم مختلفة، لنحمل نحن الإعلاميين على عاتقنا مسؤوليّة أننا لسنا السبب في تفشّي أو إظهار أي ظاهرة فنيّة ثقافيّة قد لا تستقطب الكثير من المثقفين في مجتمعاتنا كشخصيّات مختلفة، لها باع طويل في المجال الثقافي، تحل المشكلات أو تحلل المشاهد الاجتماعيّة أو السياسية أو الثقافية، وذلك تبعاً لثقافة المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه هذا المثقف، إذا استطاع هذا العالم الرقمي أن يستقطبنا نحن رواده لنصنع هوية بصرية لنا نريد إظهارها في حين نعتم الكثير مما نريد تعتيمه.

شمّاعة الأسباب
وإذا تناولنا الإعلام والمثقف أثناء الحرب البشعة على سورية، فهو قد صنع نجوماً من كل الاختصاصات ومن السياسيون الذين يُسمع رأيهم حتى في الشؤون العسكريّة ــ الأمنية والجيوستراتيجية! كما قال الكثير من النقاد والكتّاب.
لم يبق الإعلام وحده سيّد المشهد الثقافي، وهو ما نراه حتى في الأخبار، وما خصصته برامج عدّة في تجميع أخبار الفضاء الأزرق، وعرضها ومتابعتها والشغل الشاغل بما تتحدث عنه، جعلنا ننجر إلى هذا العالم تاركين وسائل الإعلام «التلفاز والمذياع والصحف» فلا صحف مطبوعة ولا كهرباء لمشاهدة التلفاز وسماع المذياع، بقيت الوسيلة الوحيدة المتاحة التي استحوذت على أهميّتنا هي الجوّال والإنترنت بعالمه الرقميّ الأزرق، ومن يمتلك هذه الأدوات يدير الرأي العام، ويبني قاعدة شعبيّة لا يستهان بها خلف شاشة زرقاء مفتوحة على عالم افتراضي، حتى حرمنا من لقاءاتنا الصحفية صرنا نرسل الأسئلة على تطبيقات البرامج وننتظر الإجابة من الضيف بعد أن كان الحوار وجهاً إلى وجه، ويستغرق ساعات طوال، فلم تبق العين مغرفة الكلام منذ أن كممت جائحة كورونا حركتنا، وأصبح كل منا في كوكبه وعالمه الخاص، حتى حرمنا من لذة القراءة الورقية بعد أن كنا نغفو على كتاب بين أيدينا، أخذ الجوال هذه المهمة، فأصبحنا نبحث عما نريده عبر صفحات الآخرين ونقرأ كميّة لا نوعيّة، فوضى معلومات سطحية شائعات آراء الناس وجعهم همومهم مشاكلهم، ولا نملك من العلاج أي شيء نقدمه في هذا العالم إلا الترحّم هنا والدعاء هناك ونمر مرور الكرام على صفحاتنا المتخصصة بالأدب والفكر، والتي لا تتابع إلا من قلة قليلة يديرها أصحابها بأوقات فراغهم، لقد وصلنا إلى درك التردي عدا عن أطباق اللغة العامية على معظم الصفحات، أي على كامل مخارج اللسان العربي كما يقال.
قد تكون الحياة اليوميّة التي تتطلب السّعي لطلب الرزق المهمة الكبرى لدى المثقف حاله حال المواطن في تأمين لقمة عيشه، ولكن الحياة لن تكون شمّاعة نضع عليها كل هذه الأسباب التي أوصلتنا إلى النتائج، وهي معمعة تنازلات المثقفين وضياع بوصلتهم الثقافية من خلال تتبعهم بُقَع الضوء ولو على حساب مبدئهم الذي آمنوا به وناضلوا من أجله، وبالعودة إلى الحرب التي جعلت الكثير من المصطلحات تطفو في الحالة الثقافية وهي تنازلات المثقّفين «مثقفِي الأبراج العاجية» التي جاءت فهماً مغلوطًا لمصطلح «المثقف العضوي» الذي يقتضي مشاركته للمجتمع والنزول إليه، لكن ليس على حساب المبدأ، وذلك لتتبع بقع الضوء خوفًا من فقدان بريقه، وهنا قد يصدم المفتونون وهم يرون «الرموز الثقافية» تهرول في منحدر التنازلات عن الذائقة الجماليّة والقيم الثقافيّة طمعاً في ضوء خافت، أو تلهّفًا لحضور باهت، أو تحاشياً للوصم بالنخبويّة أو لإرضاء الدائرة والقاعدة الشعبيّة له كي لا يفقد مرحلة الإبهار والإشعاع في عالمه المادي المحسوس..!.

                           

العدد 1201 – 13 -8-2024     

آخر الأخبار
الخارجية ترحب بمبادرة قطر: خطوة حاسمة لتلبية الاحتياجات الملحة للطاقة في سوريا الدكتور الشرع: تفعيل اختصاصات الصحة العامة والنظم الصحية للارتقاء بالقطاع وصول الغاز الطبيعي إلى محطة دير علي.. الوزير شقروق: المبادرة القطرية ستزيد ساعات التغذية الكهربائية مرحلة جديدة تقوم على القانون والمؤسسات.. الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري ويشكل مجلساً للأمن القو... الرئيس الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري تاريخ جديد لسوريا وفاتحة خير للشعب غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا