إلى الشّاعر هادي دانيال وقصيدتهِ « مدينة القلب»

الملحق الثقافي- أسامة حمري:
أقولُ للجِنرال: عِمتَ أَسىً.
ها إنّكَ فعلتَ كُلّ شيء تقريباً، جعلتَني أمشي في الشّوارع شريداً وشارداً في أفكاري وفي خُطاي. جعلتني أَخشى إيقاع قلبي، فَرُبّما بثَّ القلبُ، عن غير قصدٍ، سِرّا من أسراره، لَمّا أَرْعبتهُ الطائرات وأَزيزُها. لَمّا رأى، على قارعة الطريق، جُثثاً بِعددِ شَعرِ رأسي. جَعلتَ الجدارَ يُصابُ بالرعشة المُزمِنة والصُّداع.
ها إنّكَ جَعلتَ النباتات والأزهارَ تَذرفُ ماتبقّى من نَداها، لَمّا رأت أصابع الأشجارِ ترتعشُ والأشجارَ تَحبو في أعالي الجبال. جَعلتَني» أركضُ بين الكلمات» المائيّة والنّارية، قابضاً حِينا على الماء وحينا على الجمرِ، ثمَّ مُختنِقاً بثاني أكسيد الحزن.
هاإنَّكَ خَالفْتَ شَريعة الحجَرِ ووصايا الإسمنتِ، وجعلتَ الأسوار تمشي، وعمّا قليل تَقفِزُ. وأركضُ خلفَ الأسوار قائلاً: عُودي يا أسوارُ حَيثُ كنتِ، فَجسمي المُتبقّي فِداءٌ لكِ. عُودي، تَعبتُ من الركض من حرفٍ إلى حرفٍ، ومن نَبرٍ إلى نبرٍ، ومن اسمٍ إلى اسمٍ.
أسماءُ الأسوارِ تَنْثالُ على ذاكرتي: «السُّورُ العكّاويّ»، والسُّورُ البيروتيّ، والسّور السُّوريّ، والسّور في» سيكا فينيريا». كلّ الأسوار» تَنبُضُ»، وللحجارةِ رائحةٌ وذاكرةٌ.
هاإنّك أَحْدَثتَ خَلَلاً فادِحاً في شريعة اللّونِ، وجَعلتَ العُشبَ أبيضَ، وريش الحمَام أحمرَ، والأشجارَ حمراءَ وزرقاءَ، وجعلتَ البحرَ لا يَستَقرُّ على لَونْ. وجعلتَني أَشْرَقُ بالكلماتِ وأُشَرّقُ. أَغْرُبُ مثلَ شمسٍ وأُغَرّبُ إلى اللامكانْ. أقصُدُ جهة الشّمالِ وأرجو أن لا يصطادني الموتُ قبلَ خُروجي من الجنوب. فَلي صَدرٌ لاهِثٌ، ولي عَجُزٌ لم أُكْمِلهُ بعدُ عن « قوم» لاَ يحبّون من الطيرِ سوى الطيرَ المُحاكي ويَنسونَ «طائر الفينيقِ» فِيهِمْ وفي أضلُعِهمْ.
ها إنّك جَعلتَني نافورةَ أسئلةٍ، وعيوناً جاريةً، وجعلتَ الخمرةَ مَقتولةً كُلّما تَصدَّعَت كؤوس الحانةِ وانفَطرتْ طاوِلاتُها وأبوابُها. هاإنّ الحُزنَ « فاضَ» وأَخضَلَ ثوبي والمُلاَءةَ والبحر المتوسّط والعالي. ها إنّكَ تَنْفُثُ آخرَ نارِكَ وتَنْفُشُ ريشكَ بين أشجار الزعرور، أيّها الجنرالُ. وتتناسى كم بِركةً من دماءٍ خَلَّفتَ خَلْفَكْ. وتتباكى على الألواح القديمةِ وتَعبدُ حائطكَ الوَرَقيَّ. أمّا الآنَ، ها إنَّ الدمَ يعودُ إلى نِصابِهِ لِيُسافِرَ بين الأوردة. دَمي في وَريدِ العَبدِ في روما حينَ يصرخُ: أنا لن أُجَذّفَ السفينةَ بعدَ الآن، ولن أُعِينَ «نيرونَ» على جُنونهِ. ودمي في وريد الهنديّ الأحمر، وهو يصرخُ: تَوَتَّرْ يا قوسي، واجعَلْ الرَجل الأبيض مُتوتّرًا، قد لا يقتُلهُ السَّهمُ لكِنْ يَخْمِشُهُ. ودمي في وريد» لوركا»: لا يهمُّ أن يكون الشّعرُ شمعةً أو فانوساً أو شِهاباً أو شمساً، المهمُّ أضَاءَ على لَيلِكمْ.
الآن أخبِرُكَ أيّها الجنرال:
إذا أجبرتني على الذُّبول
فَهلْ بإمكانكَ أنْ تُجْبِرَ زهرةً على التفتّحِ دُونَ إرادتِها؟
أَبِيَدَيكَ أَقاليدُ البحرِ
كي تَفْصِلَ الموجَةَ عن زَبَدِها، والحُوتَ عن بحرهِ، والمرجانَ عنْ قاعهِ؟
هل تستطيعُ أنْ تَقتلَ غيمةً تُريدُ أن تَتَحلَّبَ؟
أبِيديكَ أن تَمنعَ النّملةَ من التَسلّلِ إلى قِلاعِكْ؟
لا…
لا…
لا…
                           

العدد 1208 – 8 – 10 -2024   

آخر الأخبار
السيطرة الكاملة على حريق "شير صحاب" رغم الألغام ومخلفات الحرب    بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"  وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق