الثورة – لميس علي:
أحيانا تتجاوز بعض “الأصوات” نسقية المعنى المتأتي والمرتبط بدلالتها اللغوية.. تخرج عن إطار كونها إشارات أو مجرد رموز (صوتية/ مسموعة).
فالصوت ظاهرة طبيعية يمكن قياسها، ولها خصائص.. كأن يحمل طاقة ويتأثر بالضوء والحرارة..
ماذا عن حرارة وطاقة أصوات من نحبّهم..؟
ثمة أصواتٌ، يغلفنا دفؤها..
يحلّق بنا إلى عوالم لا مرئية.. تنقلنا إلى أبعاد أخرى للوجود المادي الملموس.
فما هي ماهية تلك الأصوات المؤثرة التي تحفر في ذاكرتنا وتساهم في تكوين حميمية ذكرياتنا..؟
الأصوات هي أوعية وشرايين المعنى، المعنى المرتبط بصاحب ذاك الصوت وصلته بنا.
يمكن لبعض الأصوات أن تنحت وعينا.. وتؤثّر في تشكيله.
كأصوات أمهاتنا حين نكون حديثي الولادة وفي مرحلة الطفولة المبكرة.
بعضها يتسلل متدخلاً في تشكيل ذائقتنا، كما صوت الأغاني الفيروزية التي أسست لهندسة جمالية سمعية كوّنت صباحاتنا بعذوبة وشفافية اللحن والكلمة.
بهذا المعنى، يكون الصوت، هو الكساء أو الغطاء الخارجي للغة، مظهرها الصوتي.
وكل لغة هي تعبير عن الذات.. وتختصر أحياناً الهوية.
من تمظهرات اللغة أو إحدى آليات تجسدها، يكون عبر الحالة/الأثر الصوتي الذي يمكن أن يكون موسيقياً، كما الأغاني الفيروزية، على سبيل المثال.
المتخصص بالفيزياء الفرنسي “جويل ستيرنهايمر” يقول إن الصوت الناتج عن الآلات الموسيقية يحفز الخلايا النباتية لخلق بروتين يساعد على نمو النبات.
بعض الأمراض يوصف لها العلاج بالموسيقا كنوع من أنواع الفنون التعبيرية، أي العلاج بالصوت، خلاصةً.
بعض الأصوات التي نهواها، وليست موسيقية، تتحوّل مع الوقت إلى موسيقانا الخاصة.
بعض الأشخاص المؤثرين، يتحوّل وجودهم إلى “بصمة صوتية” مخزّنة في ذاكرتنا.. كلّما سمعناها يتم تفعيل تأثيرها داخلنا.
وكأننا، حينها، نختزل ذاك الشخص المؤثر إلى (صوت) لكنه (الصوت) ذو الترددات العاطفية الإنسانية شديدة الخصوصية بالنسبة لنا.. كثيرة الرموز والشيفرات..
تماماً كصوت من نحبّ ونهوى..
هؤلاء، تحديداً، تتمدد أصواتهم من حولنا.. وربما ملأت وجودنا.. لتصبح كوناً (صوتياً/ سمعياً) ننتمي إليه، وبدوره تتحدّد عذوبته وجماليته، بنظرنا، من تأثير قبولنا وانجذابنا إليه..
لأنها تتماهى وكونها جدار “حماية وأمان” نتكئ إليه كما لو أننا نتكئ سمعياً إلى “تهويدة” الطفولة باعثة الطمأنينة والسلام في قلوبنا.