الثورة – مريم إبراهيم ولينا شلهوب:
لم تعد مجرد معاناة في صعوبة النقل فقط، بل فيما يترتب عليها من ضغوطات مادية ومعنوية، باتت تعكس المزيد من المشكلات الخانقة، وترهق المواطن وتزيد أعباءه، وبقيت التساؤلات معلقة بشأن حلولها حتى مع كل ما يطرح من مستجدات حول النقل الكهربائي، فماذا يقول المعنيون حول ذلك؟
عدد من خبراء الاقتصاد يعوّلون على “النقل الأخضر”، الأهمية الكبيرة لتحقيق تنمية اقتصادية، ونهوض صناعي، ووفر على خزينة الدولة، وغيرها من المزايا التي تحقّقها سياسات الاعتماد على الطاقة المتجدّدة.
الباحث والخبير في النقل الأخضر عامر ديب يبين لـ “الثورة” أن قطاع النقل في العالم يعيش ثورة حقيقية، خاصة في المفاهيم، فثورة قطاع النقل والتحول للنقل الأخضر أدت لثورة في مفاهيم المستهلك، فشهد العام ٢٠٢٢ نمواً في مبيعات السيارات الكهربائية حتى وصلت إلى ٤٥% من حجم مبيعات السيارات.
مؤشرات عالمية
وأشار الخبير ديب أن مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم في عام 2024 شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، وحققت مبيعاتها ارتفاعاً خلال العام الماضي وصل إلى 10.4 ملايين سيارة، بزيادة حوالى 20% عن العام السابق، بحسب دراسة لشركة استشارات إدارية “برايس ووترهاوس كوبرز”، وفي الأسواق الـ 21 التي شملتها الدراسة، استحوذت السوق الصينية على ما يقارب ثلثي المبيعات بواقع 6.7 ملايين سيارة تعمل بالبطاريات، محققة نمواً بأكثر من 20%، وهو أعلى بكثير من المتوسط بناء على الأرقام المنقحة من العام السابق، ولا يقتصر مفهوم النقل الأخضر على السيارات الكهربائية فقط، وإنما يشمل قطاع النقل الجماعي والنقل التجاري.
وحلت في المرتبة الثانية الولايات المتحدة بمبيعات وصلت إلى 1.2 مليون سيارة كهربائية وزيادة بنسبة 7.4%، تلتها بريطانيا بمبيعات 382 ألف سيارة تعمل بالبطاريات، بزيادة 21 % عن العام السابق، وتراجعت ألمانيا إلى المركز الرابع بعد تقلص بنسبة 27% في سوق السيارات الكهربائية إلى 381 ألف سيارة بعد إلغاء الدولة لحوافز الشراء العام الماضي.
العصي في الدواليب
ولفت إلى أنه بالنسبة لسوريا، صدرت عدة قوانين بخصوص التحول للسيارات الكهربائية مند العام 2013 وآخرها القانون 240 لعام 2024 بالتحول للنقل الأخضر، وحدد جمارك السيارات الكهربائية بـ 20% للمستوردة و10% للمجمّعة محلياً، مشيراً إلى أنه عمل مع لجنة على الخطة الوطنية للتحول للنقل الأخضر لعام 2050، ولكن كعادته النظام البائد يضع العصي في الدواليب، والتي كانت تعرقل مختلف المشاريع التنموية والاستثمارية لأسباب أو لأخرى.
رؤى طموحة
وأوضح الخبير ديب أنه في أي تنمية اليوم مع ثورة الشعب السوري، وفي ظل الإدارة الحالية، اتخذت عدة قرارات لفتح استيراد السيارات، ولكن تحتاج لقرارات تنظّمها، بعيداً عن شكلها الحالي، وعلينا أن نسأل أنفسنا: أين سوريا من خارطة النقل الأخضر؟ وهل هناك جدوى؟
وأردف قائلاً: إن التحول للنقل الأخضر يبقى ذا جدوى هامة خاصة مع قِدم وتراجع قطاع النقل، إذ يحتاج للاستثمارات بقيمة لا تقل عن ٢٠٠ مليون دولار خلال ٣ سنوات للنهوض به، وهذا ممكن في حال قامت وزارة النقل بتشجيع القطاع الخاص للاستثمار، من خلال حوافز ودعم لتلك المشاريع، ومنها إعفاءات جمركية لقطاع النقل للآليات الواردة لتلك المشاريع الاستثمارية، وكذلك قطاعي النقل الجماعي والتجاري، على أن تعوّض من أجور التشغيل، فتأخذ الوزارة مبلغاً مقطوعاً على كل سيارة تكسي عمومي أو باص أو نقل تجاري، بنسبة لا تتجاوز وسطياً ٧%، وحد أعلى 10% والوارد التشغيلي الدائم أفضل، ويشكّل واردات تفوق الرسوم الجمركية، إضافة لإلزام الشركات المرخصة بتهيئة محطات شحن تعمل على الطاقة المتجددة أو الاعتماد على السيارات الهجينة، أو إلزام المستثمرين بإنشاء محطة توليد طاقة تربط على الشبكة العامة، بالمقابل يحصل المستثمر على كهرباء خط ذهبي مستقر ويبنى عليها آلية “التقاص”، وهنا يتم تدوير رأس المال في المشاريع التنموية، وإذا نجحنا في هذا القطاع فمن المؤكد أن الاستثمار سيخلق حافزاً في القطاعات الأخرى، وبالتالي المطلوب من الإدارة الحالية خلق بيئة آمنة مستقرة لتحفيز رؤوس الأموال على الاستثمار في هذا القطاع وقرار وزارة النقل باستبدال سيارات العمومي بسيارات كهربائية، خطوة هامة ولكن يحتاج لرؤى أيضا تنظم هذا العمل، حيث يبدي الخبراء والمختصون في هذا المجال استعدادهم للعمل مع وزارة النقل على هذا الملف.
في أروقة النقل
على ما يبدو أن الحديث عن مشروع النقل الأخضر لم يعد حبيس الأدراج والمكاتب، ولاسيما أنه انطلق للعلن مع استمرار أزمة النقل، من دون حلول، حيث هناك ما يتم تداوله حالياً في أروقة وزارة النقل، والتي يبدو أنها ستدرج في خطتها استبدال وسائل النقل العام بسيارات كهربائية بالكامل، فمثلاً سيتم استبدال سيارات التاكسي، واستبدال جميع سيارات العمومي بأخرى كهربائية حديثة، مع تقسيط فرق السعر على صاحب المركبة، ما سيحقق له مردوداً اقتصادياً أكبر، نظراً إلى توفير سيارات الكهرباء لمصاريف الوقود (حسب مصادر مطلعة).
فهل سنلحظ حلولاً في القريب العاجل، تتعلق بشأن أزمة النقل والتنقل، بالتوازي مع الأخذ بعين الاعتبار التحول إلى مشروع النقل الأخضر الذي يعلق عليه كثيرون الأهمية البالغة في الحلول المرتقبة؟