الثورة – معد عيسى:
تتعرض الغابات والحراج في سوريا منذ سنوات لاعتداء كبير جداً، بسبب فقدان مازوت التدفئة وارتفاع أسعاره من جهة، وتردي الوضع المعيشي من جهة ثانية، وثالثاً بسبب الحرائق.
الوضع اليوم أكثر مأساوية من أي وقت مضى بسبب إيقاف وتأخر الرواتب، وغياب فرص العمل، وبالتالي لا يمكن توجيه اللوم لأي شخص يقوم بقطع الأشجار لتدفئة أولاده، فليس من المعقول أن يرى البرد ينخر عظام أولاده والغابة أمامه ولا يقوم بالاحتطاب لتدفئة أولاده، كما لا يمكن أن نلوم شخصاً جائعاً هو وأولاده بلا أفق ولا فرصة عمل يقطع الحطب من أجل التفحيم ليُطعم أولاده.
التاسعة عربياً
سوريا مصنفة بين الدول الفقيرة بالثروة الحراجية والغطاء النباتي، إذ تحتل المرتبة ١٣٧ عالمياً من بين ٢٠٠ دولة بمساحة الغابات والحراج، حيث تبلغ مساحة الغابات والحراج ٢٣٢٨٤٠ هكتاراً غابات طبيعية، و٢٩٤٩٧٠ هكتاراً غابات اصطناعية، وذلك حسب بيانات مديرية الحراج في وزارة الزراعة، وهي تشكل ٢.٨% من مساحة سوريا انخفاضاً من ٣٠% القرن الماضي، أما عربياً فسوريا تحتل المرتبة التاسعة حيث تتصدر السودان الدول العربية بمساحة الغابات تليها الصومال، المغرب، الجزائر، السعودية، العراق، تونس، اليمن، سوريا، الإمارات، موريتانيا، ليبيا، فلسطين، لبنان، الأردن، مصر، جزر القمر، الكويت، جيبوتي، عُمان، البحرين، وقطر.
حماية بالاستثمار
الحفاظ على الغابات يبدأ بتنمية ودعم المجتمعات المحلية المحيطة بالغابات من خلال توفير احتياجاتها من وقود التدفئة بشكل كاف وإشراكها في الاستفادة من منتجات الغابات وتأمين فرص عمل لها في الغابات لتشعر أن استمرارها وبقاءها مرتبط بوجود الغابات، فالغابات كنز حقيقي يُمكن أن يوفر جبهات عمل كبيرة لعدد كبير من طالبي العمل وبجميع المستويات العلمية.
الاستثمارات المتاحة في الغابات كثيرة جداً، فيمكن أن تكون مناطق للسياحة والتنزه بمطلاتها الجبلية ومناظرها الخلابة، ويمكن أن تكون مكاناً للنقاهة والاستشفاء ببناء قرى صحية في طبيعة نقية، كما يمكن أن تكون الغابات مقراً للصناعات الطبية التي تعتمد على الأعشاب والنباتات الطبية، وليس أخيراً يمكن أن تستقطب الفرق العلمية والبحثية من كافة أنحاء العالم وجامعاته للاستفادة من التنوع البيومناخي الذي توفره غابات سوريا للباحثين والذي جعل منها بنوكاً وراثية حية لتنوع كبير.
الحرائق أشد الأخطار
اجتاحت سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة موجة حرائق كبيرة استهدفت غاباتها الحراجية، ولم توفر الأراضي الزراعية المتداخلة مع الحراج وما فيها من أشجار مثمرة، ولاسيما الزيتون، ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة فإن 627 حريقاً اندلع عام 2019، أتى على 16123 دونماً، وبرقم متقارب تم تسجيل 621 حريقاً عام 2020 حرقت نحو 132772 دونماً، أما في عام 2021 فقد بلغ عدد الحرائق 439 حريقاً أتى على مساحة 9107 دونمات، وفي العام ٢٠٢٢ تم تسجيل 197 حريقاً حرقت ما مساحته 1816 دونماً، وفي العام ٢٠٢٣ تم تسجيل 274 حريقاً والمساحة المحروقة بلغت 2835 دونماً، وأخيراً في العام ٢٠٢٤ بلغ عدد الحرائق ٢١٧ حريقاً أتى على ١٩٣٠ دونماً وبمجموع ١٦٤٥٨٣ دونماً خلال السنوات المذكورة، وطبعاً كانت أكبر الخسائر في العام ٢٠٢٠، ويضاف إلى ذلك مساحات في الأراضي الزراعية المشجرة بالزيتون وغيره من الأشجار.
تعاون إقليمي
خيارات حماية الغابات كثيرة ومتاحة تبدأ بتأمين بدائل استنزافها مثل استيراد الحطب للتدفئة والفحم الصناعي للأراكيل بأسعار مقبولة وتأمين فرص العمل لمجتمعاتها وتنظيم الاستثمار فيها بشكل صحيح وبمشاريع من طبيعة الغابات، كما يمكن طلب العون من المنظمات الدولية والمبادرات الإقليمية لتأمين آليات الإطفاء وتجهيز المواقع وإنشاء سدات مائية لحصاد مياه الأمطار للاستفادة منها في موسم الحرائق وتكون منهلاً لحيوانات الغابة وهنا تجدر الإشارة إلى مبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي تهدف لزراعة عشرة مليارات شجرة حتى عام ٢٠٣٠، والمتوقع منها أن تغير مناخ المملكة العربية السعودية بحيث تشكل الغابات بؤر استقطاب للأمطار، ولكن أساس كل ذلك مرتبط بوجود إرادة وإدارات حقيقية خبيرة تعرف طبيعة الغابات ومجتمعاتها وصاحبة قرار ولا يكفي أن تكون أكاديمية فقط تقوم بإعداد تشريعات وقوانين مناسبة على أساس تشاركي لا إملائي عقابي.
أخيراً..
أكيد لا أحد يبرر قطع الحراج والغابات.. ولكن لا أحد يقبل بظروف الناس بهذا الشكل المتردي، برد قارس، وانعدام لفرص العمل، وشح مالي، وكما ذكرت المشكلة ليست وليدة اليوم وإنما استمرار لواقع تراكمي بدأ قبل سنوات وهذا في المحصلة سيقود إلى كارثة اقتصادية وبيئية برعاية رسمية.
نداءات كثيرة أطلقها الغيورون على الثروة الحراجية والبيئة، ولكن المعالجات كانت سابقاً بردات الفعل العقابية بقرارات وقوانين جائرة استهدفت بشكل مباشر المجتمعات المحلية المحيطة والمتداخلة مع الغابات والحراج، بدل أن تذهب لتأمين حاجتها من المازوت ومشاركتها في حماية وإدارة النشاط في هذه المواقع.