لميس علي:
ويتقاطع ما يوجد في خاطرنا- نحن المتابعين- مع ما يوجد في خاطر المخرج محمد عبد العزيزالذي يبدوأنه صاحب مشروع “تنقيبي”.. ولهذا يمكن أن تنسحب (ياء المتكلم) في “خاطري” لتكون للمخرج عبد العزيز.وكأنما لديه خط فني أو هاجس يتبعه في اكتشاف/ كشف، ما كانت عليه مدينة دمشق “في الماضي” ،ولاسيما بدايات القرن العشرين.. أو عشرينياته كما في (ليالي روكسي) الذي يُعرض حالياً.. وصولاً إلى خمسينياته أي الفترة الزمنية التي دارت ضمن حكاية مسلسل (شارع شيكاغو).
وبينما كانت حكاية هذا الأخير تنطلق من حدث تاريخي، هو زيادة “تشي غيفارا” إلى دمشق، يبدأ (ليالي روكسي) حلقته الأولى بتسليط الضوء على زيارة تشارلي شابلن لدمشق، ثم الانطلاق نحو سرد حكاية إنتاج أول فيلم سوري صامت “المتهم البريء” عام 1928م.ثمة محاورمهمة ولافتة، اشتغل عليها عبد العزيز في العملين السابقين، يتمثل أهمها بإظهارمدينة دمشق مغايرة ومخالفة لما تمّ تأطيره وتكريسه في أعمال البيئة الشامية، ولهذا يمكن أن نجعل أعماله منتمية إلى ما يمكن أن نطلق عليه أعمال البيئة الدمشقية التي تصوّرالحارة الدمشقية وليس الشامية.. ما يعني تكريس الحالة (المدنية) لمدينة عريقة كدمشق وليس مسخها إلى مجرد حارة تقليدية.وضمن تحقيق غايته هذه نرى في (ليالي روكسي) نماذج لشخصيات منفتحة ومتحرّرة.. ليس على مستوى السلوك الظاهري والشكلي، إنما فكري أيضاً.في “ليالي” عبد العزيز نشاهد شخصيات متصالحة مع نفسها.. ومع الآخر ومع الحياة لحدّ كبير.. لدرجة نتساءل فيها: هل هذه الشخصيات تنتمي إلى (الآن) أم إلى (الماضي)..؟وذلك بسبب تلك الأريحية التي بدا عليها السياق الذي صوّرعلاقات الجنسين مع بعضهما.غالباً.. اشتملت الحياة في ذلك الزمن على أنماط إنسانية متعددة ومتنوعة.. والجيد في “ليالي روكسي” محاولته التقاط هذا التعدّد الذي وصل إلى إظهار حدّيه المتناقضين، متمثلاً بـ(عطا، أيمن زيدان) الرجل الوطني المنفتح، والشخصية المناقضة له (فرزات، عبد الفتاح مزين) الرجل التقليدي المتزمّت.. وبين هذين النمطين تتدرج تلاوين الشخصيات مع غلبة كفّة الفنانين والمشجعين للفن.يحسب للعمل أنه حاول إظهار شخصيات تنتمي لمختلف أنحاء الجغرافيا السورية مثل (زليخة، ظاظا، سركيس) وآخرين.. وجميعهم يتواجدون في مكان واحد غني بتنوّعه وتعدّده.وعلى الرغم من اشتمال (ليالي روكسي) على حكايته الرئيسة وتفرعاتها.. إلا أن سردها عانى كما حال المسلسلات الرمضانية تباطؤاً بالوصول إلى الأحداث المهمة.بالإضافة إلى أن (الحالة الفكرية) التي حاول تظهيرها وصيدها، بقيت من دون وجود حوارغني يتناسب معها إلا في بعض عباراتٍ جاءت منثورة على لسان بعض الشخصيات ضمن مواقف محدودة وقليلة.وكأنما تقصّد المخرج، والذي شارك بكتابة النص إلى جانب (شادي كيوان، معن سقباني، بشرى عباس)، أن تكون “المتعة”، في رواية “حدوتة” أول فيلم سوري، والظرف الزماني والمكاني الذي رافقه، هي شرط كافٍ لإظهار دمشق بالهيئة التي أرادها عليها.