الثورة – فريال زهرة
لم يعد الحديث عن التسامح والعفو والصلح ترفاً ثقافياً في مجتمعنا، بل حاجة ماسة لإطفاء نار الفتنة التي يحاول بعض المتربصين- وبشدة، إشعالها في مجتمع متنوع متعدد الثقافات والعقائد، ولطالما نظر إليه كعامل غنى وثراء للبنية الاجتماعية والثقافية الوطنية مستندة على جوهر الشريعة الإسلامية السمحة في النص والحديث، وهو ما يؤكده الشيخ أحمد خضر المحمد في حديثه لـ”الثورة”: من أسماء الله الحسنى العفوّ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}، فهو سبحانه العفوّ الذي وسع عفوه الورى، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، فهو يحب العفو، ويحب من عباده أن يتخلقوا بهذا الاسم الكريم لينالوا عفوه؛ إذ إنّ الجزاء من جنس العمل، فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن غفر غُفِر الله له كما قال سبحانه: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، وخير درس في العفو ما فعله رسول الله ﷺ حين آذاه قومه إيذاءً شديداً فقال: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”، وهو الذي أمره ربه بالعفو والصفح: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ} [الأعراف: 199]، وعلّمه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85].
وقد رغَّب الشرع الحنيف في العفو عن المسيئ ومسامحته عند القدرة؛ فإن كانت المعاقبة هي جوهر العدل والإنصاف، فإن العفو هو قمة الفضل والإحسان، فمن يعفو ويصفح ينال عزَّ الدنيا، قال رسول الله ﷺ: “وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلا عِزّاً”، وشرفَ الآخرةِ، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، ومن قواعد الإسلام العظيمة في الحكم والقضاء أنّ خطأ الإمام فِي الْعَفو خير من أَن يخطئ في الْعقُوبَة، كما روي عن السلف الكرام.
وأخيراً.. ينبغي أن نعلم أن العفو المرغب فيه في الإسلام ليس جبناً وخوراً، ولا تنازلاً عن المسلمات، فإنّ الإفراط في التسامح، يعلّم الناس التهاون في حقوقنا، إنما هو تسامح الحنيفية السمحة، وأخلاق الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام، وحسبك به معلماً وهادياً وأسوة، فقد عفا عمن آذاه، وأخرجه من بلده مكة، ولكنه لم يعف عن بعض المجرمين، بل أمر بقتلهم ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة، لنتعلم منه خلق الانتصار، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]، وأنّ الدين ليس عفواً كله، بل هو عدل وإحسان، ولكل مقام مقال، فمن نكّل بالمسلمين وأعراضهم قتلاً وانتهاكاً، لا يصلح في حقه إلا القصاص، ففي القصاص العادل حياة، { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179].
الشيخ أحمد خضر المحمد في لمحة: ماجستير في كلية الشريعة جامعة دمشق تخصص العقائد والأديان.. شهاد دبلوم تأهيل تربوي.. دبلوم علوم سياسية.. أدب إنكليزي من جامعة حمص، عمل في مركز مناصحة في إدارة التوجيه المعنوي، في الرد على الإلحاد، والتدقيق اللغوي.