الثورة – حسين صقر:
منذ وجود الإنسان على الأرض والاختلاف بين الناس موجود، وهو حالة صحية وطبيعية، وذلك في المذهب والفكر والحرفة والاهتمام والهواية، وللاختلاف تجليات كثيرة تتعلق بمدارك الناس وطباعهم ومصالحهم وبيئاتهم، واختلاف اللغة واختلاف الظواهر الكونية.
الدراسات السيكولوجية والاجتماعية أثبتت أن القدرات العقلية للفرد لا يمكنها أن تتطور إلا بالاختلاف مع الآخرين وليس الخلاف، وهو ما يحصل في ظلّ التدافع المعرفي والجدال العلمي، بوصفه الأفضل للتطور الذهني والثقافي.
ولتوضيح هذا المفهوم يؤكد الشيخ معتز نور الدين خلال اتصال لـ”الثورة”، أن الأبحاث الميدانية في مجالي التربية وعلم النفس أكدت على أن التقدم المعرفي وإثراء الفكر لا يحصل إلا إذا وجد الأفراد أنفسهم في مواقف اختلاف ومواجهة مع أفراد متنوعي المستويات الثقافية والانتماءات، مضيفاً: إن اختلاف الأمم في أمزجتها النفسية والعقلية يجعل كل واحدة منها تتصور الوجود بصورة خاصة بها، وينشأ عن هذا شدة اختلافها في ثلاثة أشياء: في الحس وفي العقل وفي العمل.
حالة صحية
وأضاف الشيخ نور الدين: لذا فإن الاختلاف ليس ظاهرة مرضية يجب القضاء عليها، بل هو حالة صحية، وإن وجوده يؤكد على حيوية المجتمع والحراك الفكري الموجود فيه، ولا يمكن فهمه إلا بوصفه نتاجاً للعقل وتفاوت قدراته واختلاف نظرته للحياة، والاختلاف المقبول لا بد أن يتم في إطار الوحدة، لأنه مع الاختلاف توجد المشتركات التي تعطي مساحة للتعاون والبناء المشترك، وقال: إن القرآن الكريم حينما وجه خطابه للإنسان راعى الخصوصية الفكرية والطبيعية الجدلية له:”وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً”وجاء أيضاً “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”.
الاختلاف في القدرات
وأوضح الشيخ نور الدين أن الاختلاف في طبائع البشر وفي قدراتهم وفيما أودع الله فيهم من عقل وفهم، وتفاوتهم في ذلك، وامتياز كل منهم في أمر دون الآخرين، منوهاً بأن كل هذا من أسباب الاختلاف، وهي أسباب لا تؤدي بطبيعتها إلى الخروج عن أدب الخلاف، وعلى كل واحد أن يقف عند الحد الذي شرعه الله، وقال: إن رسول الله ﷺ لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن، قال: كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. ولهذا فالخطاب القرآني لم يقدم مجرداً عن البراهين والحجج، ولذا ينبغي أن يكون الاختلاف عن دليل وبينة.
وأشار الشيخ نور الدين إلى أن غياب ثقافة الاختلاف يؤدي إلى شخصنة الأمور وعدم تقبل البعض للرأي، واعتبار ما يجري أو ما يتم الحديث عنه خلافاً شخصياً من ناحية، واعتبار عدم الأخذ برأيه هزيمة شخصية، ويسعى للانتصار بشكل أو بآخر، وهناك من يُؤثر السلامة ويلوذ بالصمت، وهناك ما يوجب الكلام والتصريح برأي مختلف، تفضيلاً للسلامة والرغبة بعدم الدخول في جدليات أو غير ذلك، ولهذا لا بدّ من ترسيخ ثقافة الاختلاف في عمليات التربية منذ البداية، وتنشئة الأولاد، وذلك بالطبع يتطلب وجود الوعي المناسب لدى الأسر، كما أن وسائل الإعلام والاتصال والفضائيات تلعب دوراً مهماً في ذلك، حيث يجب أن ينبه هؤلاء جميعاً إلى أن الاختلاف لا يعني الخلاف، وأنني حينما أختلف معك لا صلة لذلك بشخصك أو بمذهبك أو عقيدتك، وإنما نختلف على الفكرة أو الموضوع أو القضية، ونحتاج إلى الحوار الذي لا يصادر الآراء، بل يحترم التعددية ويعتمد على الأدلة والبراهين، وأنه ليس لأحد أن يصادر حق أحد في التعبير، وقد ضرب الأئمة الكبار في الفقه الإسلامي أروع الأمثلة في ذلك، سواء داخل المذهب الواحد أو بين المذاهب، من دون أن يقوم أحدهم بتكفير الآخرين أو إقصائهم أو إخراجهم من مدرسة معينة.