الثورة – إيمان زرزور :
لم تكن سنوات الحرب في سوريا، مجرد قذائف ودمار مادي، بل كارثة نفسية جماعية تركت آثاراً عميقة في أرواح الملايين، وبعد صمت المدافع، تبقى الندوب النفسية تنزف في صمت، محمّلة بأعباء القلق، الاكتئاب، وفقدان الأمل، لتشكل تحدياً كبيراً أمام التعافي المجتمعي، والتي تتطلب حراكاً حقيقاً واهتماماً مجتمعياً وحكومياً لإعادة استقرار النفوس وإزالة هذا الإرث المعطل للحياة.
تأتي الصدمات النفسية المباشرة نتيجة الانكشاف المباشر على أهوال العنف كـ “رؤية القتل، النجاة من قصف أو اغتصاب، أو فقدان الأحبة أمام ناظريك”، وتظهر هذه الصدمات في اضطرابات ما بعد الصدمة، نوبات القلق، الأرق، الكوابيس، والخدر العاطفي، حيث يعيش الناجون شعوراً دائماً بالخطر، ويعانون من صعوبة في التركيز والانخراط الاجتماعي.
أما الصدمات غير المباشرة فهي أكثر بطئاً، لكنها لا تقل قسوة، وهي العيش المستمر في حالة من الترقب والقلق، وسط انعدام الأمان، والفقر، وانقطاع الخدمات الأساسية، هي النزوح الذي يفقدك بيتك، مدرستك، بيئتك، ويجعلك غريباً حتى عن نفسك، وتترك هذه التجارب آثاراً من الاكتئاب، والعجز، وانعدام الحافز، وصعوبة بناء الثقة أو التخطيط للمستقبل.
عانى الشعب السوري كل هذه الظروف القاهرة طيلة سنوات مضت، وواجه خطوب وتحديات خلقت لديه ندوبا كبيرة داخلية في النفس، لا تأخذ شكلاً ظاهرياً فهي ليست حالة بتر أو كسر أو تشوه خارجي، بل أوجاع مستقرة في داخل الإنسان، تعيش معه في كل ظروفه، وتؤثر على حياته وسلكوه ونظرته للواقع والمجتمع والمحيط بشكل عام.
غالباً ما يتداخل النوعان من الصدمة، فيتحول الإنسان إلى مرآة للمعاناة المتراكمة، يشهد الفقد، ثم يُهجّر، ثم يُلقى به في هامش الحياة، ما يعمّق من حجم الألم النفسي ويجعل العلاج أكثر تعقيداً، في هذه الحالات، لا توجد بداية واضحة للمعاناة، ولا نهاية تلوح في الأفق.
يتطلب هذا الواقع المؤلم في السياق السوري، عقب سنوات مريرية من المعاناة والصدمات، إيجاد وسائل حقيقية لإعادة بناء النفس البشرية، من خلال دمج خدمات الدعم النفسي في المدارس، المراكز الصحية، والمخيمات، وتوفير جلسات دعم ممنهجة للناجين، والمهجّرين، واليافعين تحديداً
ولايخفى الدور الإعلامي في التوعية، وتطبيع المشاعر، والتقليل من الوصمة المرتبطة بالمساعدة النفسية، لا يقل أهمية عن أي دعم آخر، كذلك تدريب معالجين نفسيين قادرين على التعامل مع آثار الصدمة، خصوصاً لدى الأطفال.
والثابت أن الصدمة النفسية، بكل أشكالها، تُهدد تعافي المجتمعات، وتعيق بناء الأوطان، ولهذا، فإن إدماج الصحة النفسية ضمن خطط التعافي وإعادة الإعمار ليس مشكلة عارضة أو مؤجلة، بل ضرورة لبناء سلام حقيقي، لا يقوم فقط على إعادة البناء، بل على ترميم الإنسان داخلياً وإعادة دمجه في المجتمع بشكل صحيح.