الثورة- ميساء العجي:
لم تعد البازارات اليوم مجرد سوق لبيع المنتجات، بل مساحة حقيقية جمعت بين روح المبادرة، والتواصل الاجتماعي، ودعم المشروعات الصغيرة في مشهد يعكس رغبة السوريين الدائمة في صنع الفرح حتى بأبسط الإمكانات.
أجواء حيّة تملؤها الألوان والحركة
منذ بداية ساعات الظهيرة، امتلأ المكان بزوار بازار “بكرا أحلى” من مختلف الأعمار، مليء بالألوان الزاهية، وروائح الحلويات والمأكولات المنزلية، وأصوات العروض والخصومات، كلّها شكّلت لوحةً نابضة بالحياة في مكان شاهد على النشاط الثقافي والاقتصادي للعاصمة.
اللافت أنّ التنظيم الدقيق للبازارات بشكل عام، وتنوّع المشاركات منحا الزوّار تجربة مختلفة. لم يكن هناك شعور بالازدحام المعتاد في الأسواق، بل نوع من الحميمية التي تجعل المتسوّق يتوقّف ليتبادل حديثاً قصيراً مع البائع، أو يبتسم لطفل يشارك في مسابقة خفيفة أقامها المنظّمون على هامش الفعالية.

مساحة للتقارب لا للبيع فقط
في لقاءٍ مع إحدى المشاركات في البازار من حمص ضحى البيطار، تحدّثت عن الفكرة التي انطلقت منها هذه المبادرة قائلة: نحن لا نريد أن يكون البازار مجرد مكان للبيع والشراء، بل مساحة لتقارب الناس وتبادل الخبرات، والناس تستفيد من التخفيضات والعروض، لكن الأجمل أن يلتقوا ويشعروا أن هذا النشاط جزء منهم.
وتضيف البيطار: إن الهدف الأساس من هذه الفعاليات التي تقام على مدار العام هو خلق بيئة اقتصادية واجتماعية متكاملة تتيح لأصحاب المشروعات الصغيرة تقديم منتجاتهم للجمهور مباشرة، بعيداً عن التكاليف الباهظة للمحال التجارية، وذلك لكي ننهض معاً باقتصاد بلدنا ونساعد فنخفف ولو كان جزءاً بسيطاً من العبء عن الناس.
سوق صغير يحمل نبض المدينة
بينت عروية السيد، القائمة على البازار أن هذه البازارات تمنح المشاركين المنصّة التي يستحقونها، ونعطي الزوّار فرصة للتعرّف إلى الإنتاج المحلي عن قرب دون وجود الوسيط بين البائع والشاري، وهم أصحاب المحلات، وتضيف السيد: يضمّ البازار عشرات المشاركين من مختلف المحافظات السورية، معظمهم من الشباب والسيدات اللواتي يعتمدن على الحِرف اليدوية والأعمال المنزلية.
بين طاولات مزينة بعناية، تنتشر منتجات تعبّر عن ذوقٍ محليّ أصيل: صابون طبيعي، شالات من الصوف المنسوج يدوياً، حلويات مصنوعة في مطابخ منزلية، وإكسسوارات فريدة من مواد بسيطة وعطور فريدة.
تقول إحدى المشاركات: إن هذه الفعاليات تمنحها “فرصة للقاء الناس بشكل مباشر، والتعرّف على آرائهم، وتطوير عملها بما يتناسب مع الطلب الحقيقي في السوق، وزيادة نسبة البيع من أعمالها، وبالتالي تساعد برفع دخل بيتها، وبالنسبة لكثير من المشاركين فإن المشاركة في بازار واحد يمكن أن تشكّل نقطة انطلاق جديدة نحو مشروعٍ أكبر، أو نحو شراكات مع تجار ومؤسسات مهتمّة بدعم الإنتاج المحلي.
بين الذاكرة والحداثة
لا يخفي البازار طابعه التراثي الذي يذكّر بالأسواق القديمة في دمشق، لكنه في الوقت ذاته يحمل روحاً عصرية، فالمنظّمون حرصوا على الجمع بين الطابع التقليدي في العرض والأسلوب الحديث في التسويق، من خلال حضورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والتفاعل المباشر مع الجمهور عبر المسابقات اليومية والعروض الخاصة.
وتؤكد غيداء موصلي أنّ هذا المزج بين الأصالة والحداثة مقصود، فدمشق مدينة عريقة، و فيها شباب طموحون، نحن نحاول أن نجمع بين الحروف القديمة والأفكار الجديدة في مكانٍ واحد، ليبقى البازار صورة صغيرة عن تنوّع المجتمع السوري.
وتضيف موصلي: إنه اليوم كان البازار، وقد ازدحم المكان بزوار أرادوا اغتنام الفرصة الأخيرة.
تهافتت العائلات على شراء الهدايا والتذكارات، فيما انشغل بعضهم بالتقاط الصور أمام الأكشاك الملوّنة التي تحوّلت إلى خلفياتٍ نابضة بالحياة.
ونوهت بأن الإقبال الكبير فاق التوقعات، مشيرة إلى أن هذا النجاح يشجّع الفريق المنظّم على تكرار التجربة في مناطق أخرى من دمشق وربما في محافظات أخرى مستقبلًا.

أثر اجتماعي واقتصادي يتجاوز حدود الفعالية
وتؤكد السيد أن ما يميّز هذه البازارات أنّها لا تنتهي بانتهاء أيامها، إذ تترك وراءها أثراً اقتصادياً واجتماعياً ملموساً، فالتعارف بين الزوّار والمشاركين يخلق شبكات دعم متبادلة، وقد يتحوّل اللقاء البسيط في البازار إلى تعاون طويل الأمد بين أصحاب الحرف والمستثمرين.
كما أن التفاعل مع الجمهور يمنح المشاركين ثقة أكبر بمنتجاتهم، ويتيح لهم اختبار السوق الحقيقي بعيداً عن بيئة الإنترنت التي تفتقد التواصل المباشر.
وفي الوقت ذاته ترى موصلي ، أن هذه المبادرات تسهم في تخفيف الضغط المعيشي على الناس من خلال تقديم أسعار مدروسة وعروض حقيقية، ما يجعلها مناسبة للأسر محدودة الدخل دون أن تفقد متعة التسوق.
المدينة التي لا تفقد نبضه
برغم التحديات الاقتصادية، تظلّ دمشق مدينة لا تفقد نبضها.
فالأسواق الصغيرة، كـ”بازار بكرا أحلى ، تثبت أن الحياة مستمرة بوجهها الإيجابي البسيط.
بين ضحكات البائعين وأحاديث الزوار ودفء اللقاءات العفوية، تنبعث من المكان رسالة خفية: أن المجتمع السوري ما زال يجد في المبادرات الجماعية وسيلة للتماسك والتعبير عن الأمل،فما يهمّنا في نهاية كلّ فعّالية بالإضافة إلى المبيعات، أيضاً هذا الجوّ الجميل الذي جمع الناس .
حيث يترك البازار الأثر الذي سيبقى معنا حتى نبدأ من جديد.