الثورة- حسين صقر:
يُعدّ فرط النشاط الحركي من الاضطرابات السلوكية المنتشرة بين الأسخاص، ويظهر في صورة حركة مفرطة واندفاعية وصعوبة في التركيز والانتباه، ويُعزا إلى عوامل وراثية وبيولوجية وبيئية متداخلة.
وبالتالي يحتاج المصاب إلى فهم ودعم من الأسرة والمدرسة، إضافة إلى العلاج السلوكي أو الدوائي عند الحاجة، لضمان نموه وتطوره بشكل متوازن وسليم.

وحول هذا الموضوع يشير المهندس أبي سكر مدير ومؤسس قناة كرزة للأطفال ف حديث “للثورة،” :إن اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه ADHD سلوك غريب، لأنك تشعر وكأن شخصين مختلفين يعيشان في دماغ واحد.
وإذا ما تكلمنا عن تلك الشخصية، يشعر صاحبها أن نسخة منه لا يمكن إيقافها، وهي شخصية مبدعة، مركّزة، مليئة بالطاقة والأفكار، والنسخة الأخرى لا تستطيع حتى أن تبدأ مهمة بسيطة، أي تنسى حتى الرد على الرسائل، بل وتحدّق في الجدران متسائلة كيف اختفى اليوم؟ لكن كلاهما نفس الشخص وكلاهما حقيقي.
وأوضح سكر الخبير والمهتم بالأعمال الإبداعية وريادة الأعمال والتكنولوجية، أن الغريب في الأمر، بأن الدافع لا يعمل كما يُفترض أن يعمل، ولايمكن لصاحب هذا السلوك فقط أن “يقرّر” أن يفعل شيئاً، فدماغه يحتاج إلى شعور بالإلحاح، أو الاهتمام، أو دفعة من الدوبامين.
لا منطق!!
وقال سكر: قد تعرف أن شيئًا ما مهم لهذا الشخص بل مصيري، ومع ذلك لا يشعر بشيء، وحين يشعر بشيء، يكون عادة في آخر لحظة، عندما يشتعل الأدرينالين وتصبح الفوضى وقود تركيزه، فاضطراب فرط الحركة غريب لأن الزمن ليس خطياً فيه، هناك فقط “الآن” و”ليس الآن”، أي عشر دقائق وثلاث ساعات تشعر وكأنهما الشيء نفسه، كما يمكنه أن يفقد يوماً كاملًا في مهمة واحدة، أو يعاني ليقضي خمس دقائق على شيء ممل، كما أن المواعيد النهائية تتسلل مثل الأشباح، وفجأة يجد نفسه في حالة ذعر متسائلاً: كيف أصبح الغد الآن؟
وأشار سكر أنه -هذا الشخص- غريب لأن المشاعر فيه صاخبة، فهو لا “يشعر” فحسب بل “يغرق” في الإحساس، و تعليق صغير يمكن أن يدور في رأسه لأيام، و لحظة جميلة يمكن أن تضيء أسبوعه كله، و تلاحظ تغيّر النبرة، الصمت، لغة الجسد أشياء لا ينتبه إليها الآخرون، كما يهتم كثيراً بالتفاصيل، و يتفاعل بقوة، ويحبّ بعمق، وأحياناً يجعله ذلك يشعر بأنه مكسور،بينما هي مجرّد كثافة شعورية موجّهة إلى الداخل.
امتزاج العبقرية بالفوضى
وذكرالمهتم بأعمال الإبداع: إن اضطراب فرط الحركة غريب لأنه يمزج العبقرية بالفوضى، ويمكن أن يفرط في التركيز لساعات على شيء يحبّه، كالرسم، و البرمجة والبحث، والتنظيف والشعور بالسحر.
لكنّه ينسى الأكل أحياناً، والرد على الرسائل، أو حتى النهوض من الكرسي، وقد يكون مذهلاً تحت الضغط، ومرتبكاً تماماً في الروتين، وأحياناً ينعته الناس بالكسول، لكنّهم لا يرون أن عقلك يركض بلا توقف، فقط ليس دائماً في الاتجاه الصحيح، إنه غريب لأن أنظمة التنظيم التي تنجح مع الجميع تنهارعنده، ويكتب قوائم المهام ثم يفقدها، ويلوّن المفكرات ويخططها ولا يفتحها ثانية، ويضبط التذكيرات ثم يتجاهلها لأنه ستفعلها “لاحقًا”،ولاحقًا لا يأتي أبداً، و غريب لأن الراحة ليست دائماً مريحة، فعقله يركض حتى حين يكون جسدك ساكناً، والنوم معركة، والملل عقاب، ويشتهي التحفيز، لكنّه حين يزيد يغرقه، ويعشق الأشياء الجديدة، لكن كثرتها تصيبه بالشلل،إنه صراع دائم بين رغبته في المزيد وحاجته إلى أقل.

لايُفسر!!
وأضاف سكر أن اضطراب فرط الحركة غريب لأنه لا يُفسَّر، حتى لمن يعيشونه، فقد يفهم تماماً كيف يعمل عقله، ويقع في نفس الفخاخ من جديد، فالأمر ليس إرادة أو انضباطاً، بل أسلاك متشابكة بطريقة مختلفة، ومع ذلك، وسط كلّ هذه الغرابة، هناك جمال، عقول اضطراب، وثاحب سلوك فرط الحركة يرى العالم بشكل مختلف من خلال أنماط، وأفكار، ومشاعر، وألوان، وروابط يعجز معظم الناس عن رؤيتها.إنه فوضوي، لكنّه سحر خالص.
عوامل مختلفة
وفي هذا الخصوص يرى علماء النفس أن عوامل وراثية تقف خلف هذا السلوك، أي وجود تاريخ عائلي للاضطراب، وعوامل بيولوجية، كاضطرابات في كيمياء الدماغ، خاصة في مستوى النواقل العصبية مثل الدوبامين، كما أن هناك عوامل بيئية كالتعرض للسموم أو التدخين أثناء الحمل، أو الضغوط النفسية المبكرة، وأخرى تربوية ونفسية بيئة أسرية غير مستقرة أو افتقار الطفل للتوجيه والاهتمام.
ويشير هؤلاء أنه في أحيان مختلفة يعاني أصحاب هذا السلوك ضعفاً في التحصيل الدراسي، وصعوبة في تكوين العلاقات الاجتماعية، يصيب أصحابه، و مشكلات سلوكية أو نفسية لاحقة مثل القلق أوالاكتئاب.
العلاج والتعامل
ويشير علماء النفس أن علاجاً سلوكياً لعلاج هذه الحالة، كتدريب الطفل على ضبط السلوك وتنظيم الوقت، والعلاج الدوائي كاستخدام أدوية منبهة للجهاز العصبي بإشراف طبي، والدعم الأسري والتربوي كتوفير بيئة مستقرة وصبورة تساعد على تحسين السلوك والانتباه.
والتعاون المدرسي أي وضع خطط تعليمية فردية تناسب قدرات الطفل.
إن فرط النشاط الحركي ليس دليلاً على سوء التربية أو ضعف الذكاء، بل هو حالة تحتاج إلى فهم وتعاون بين الأسرة والمدرسة والطبيب لضمان نمو الطفل نفسياً وسلوكياً بشكل سليم.
