الثورة – مها دياب:
ضمن سياق التحولات الإقليمية المتسارعة، جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الرياض لتشكل نقطة تحول استراتيجية في العلاقات العربية، كما يوضح الدكتور عبد الباسط أبو نبوت، الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية.
ويرى أن هذه الخطوة تعكس إرادة سياسية مشتركة لإعادة صياغة العلاقات على أسس جديدة، وتمنح سوريا فرصة تاريخية للانطلاق نحو أدوار أكثر تأثيراً في محيطها العربي والدولي، عبر شراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية.
ويضيف أن هذه الزيارة جاءت في توقيت حساس، حيث تتقاطع فيه التحولات الإقليمية مع تطلعات الشعوب نحو الاستقرار، وتبرز فيه الحاجة إلى تحالفات عربية قادرة على صياغة مستقبل المنطقة بعيداً عن الاستقطاب الدولي.
ويشير إلى أن الرياض، بما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي، تُعد البوابة الأهم لسوريا نحو استعادة دورها الطبيعي.
زيارة استثنائية
يصف أبو نبوت الزيارة بأنها “استثنائية”، تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية كبيرة، وجاءت تتويجاً لجهود ثمانية أشهر بذلتها الحكومة السورية لفتح صفحة جديدة مع الدول الإقليمية المؤثرة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
ويوضح أن الرسالة السورية منذ بداية التحرير ركزت على كسب دعم عربي فاعل لرفع العقوبات الاقتصادية وجذب الاستثمارات، ضمن رؤية استراتيجية واضحة.
ويشير إلى أن هذه الجهود لم تكن مجرد تحركات دبلوماسية، بل جاءت مدفوعة برؤية وطنية تسعى إلى إعادة بناء سوريا على أسس جديدة، تستند إلى الشراكة والانفتاح، وتُعلي من قيمة التعاون العربي كمدخل رئيسي للاستقرار.
دعم مؤثر
ويُبرز د. أبو نبوت الدور المحوري الذي لعبته الرياض كـ”رافعة ضغط” على واشنطن، من خلال دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واللقاء الثلاثي مع الرئيس الأميركي، مما مهّد لبدء خطوات عملية في رفع العقوبات.
ويؤكد أن تعيين سفير سعودي في دمشق يعد مؤشراً واضحاً على تطور العلاقات، وتحولها من التباعد إلى التكامل، ضمن بيئة سياسية داعمة لانفتاح سوريا على محيطها العربي والدولي.
ويضيف أن هذا الدعم جاء ضمن تحرك دبلوماسي متكامل، ساهم في إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، وفتح المجال أمامها للانخراط في ملفات إقليمية كانت مغلقة سابقاً.
ويشير إلى أن المملكة استطاعت عبر أدوات نفوذها الدولي خلق بيئة داعمة لسوريا على المستوى الدولي، مما يسرّع في عودة سوريا إلى محيطها العربي والدولي.
مسار متكامل
ويوضح أن المملكة العربية السعودية تبنت منذ انطلاق الثورة السورية موقفاً داعماً لتطلعات الشعب السوري في التحرر السياسي، وساندت المسار الدولي الذي طالب بإصلاحات جذرية داخل سوريا.
ويشير إلى أن هذا الدعم جاء في إطار موقف عربي عام يسعى إلى تعزيز الاستقرار عبر التغيير المنظم، وفتح المجال أمام السوريين لتقرير مستقبلهم.
ومع تطور الأحداث، وبدء مرحلة التحرير السياسي في سوريا، بدأت المملكة في إعادة تقييم المشهد، لتنتقل من دعم الثورة إلى دعم الدولة السورية في مسارها الجديد نحو إعادة البناء والانفتاح.
ويؤكد أن هذا التحول يعكس رؤية استراتيجية سعودية ترى في سوريا شريكاً إقليمياً يمكن أن يسهم في استقرار المنطقة، ويشكل ركيزة في مشروع عربي تنموي متكامل.
توافق القيادات
ويشدد أبو نبوت على أن التوافق الفكري والسياسي بين القيادة السورية وقيادة المملكة يشكل قاعدة متينة للتعاون المستقبلي.
ويضيف أن وجود قيادتين شابتين، تتمتعان برؤى تنموية متقاربة، يفتح المجال أمام مشاريع مشتركة في إعادة الإعمار، التنمية المستدامة، والتكامل الاقتصادي، ضمن بيئة سياسية داعمة للاستقرار.
مشيراً إلى أن هذا التوافق يعكس نضجاً سياسياً، ورغبة حقيقية في تجاوز التباينات، والانطلاق نحو مستقبل مشترك، تُبنى فيه العلاقات على أسس مؤسساتية، وتُدار فيه الملفات وفق مصالح الشعوب، بعيداً عن الحسابات الضيقة.
انفتاح دبلوماسي
ويلفت الخبير السياسي إلى أن اللقاءات المرافقة للزيارة، خاصة مع مسؤولي دول أوروبية مثل كوسوفو، تفتح أمام سوريا آفاقاً جديدة في العلاقات الدولية.
ويضيف أن هذا الانفتاح يعزز موقع سوريا كجسر سياسي واقتصادي بين العالم العربي وأوروبا، ويمنحها استقلالية أوسع في صياغة قراراتها الخارجية.
ويشير إلى أن هذا الانفتاح يعكس رغبة دمشق في تنويع علاقاتها الدولية، وتوسيع دائرة الشراكات، بما يضمن لها حضوراً فاعلاً في الملفات الدولية، ويمنحها أدوات جديدة للتأثير في السياسات الإقليمية والدولية.
شراكة اقتصادية
ويوضح أن الشراكة الاقتصادية بين سوريا والسعودية تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد السوري.
مشيراً إلى أن المستثمر السعودي ينظر إلى سوريا كسوق واعدة، في ظل الاستقرار الأمني والضمانات الحكومية، ما يفتح المجال أمام تدفق الاستثمارات، نقل التقنيات، وتوفير فرص العمل.