ارتفاع قياسي لأسعار الزيتون.. هل فقدَ السوريون الذهب السائل من مائدتهم؟

الثورة – لينا شلهوب:
في كلّ بيت سوري، كان زيت الزيتون رمزاً للغذاء والصحّة والتراث، يسكب على الخبز وينساب على موائد الأسرة كما ينساب الذهب، اليوم أصبح هذا “الذهب السائل” بعيد المنال نوعاً ما، يهرب من موائد الفقراء ويختفي خلف أرقام قياسية في الأسعار، حيث تجاوز كيلو الزيت 25 ألف ليرة سورية وأكثر.

الأزمة تتجاوز مجرد ارتفاع الأسعار، لتكشف هشاشة القوة الشرائية للأسرالسورية، وعمق الصراع بين حاجة السوق المحلي لعائد المنتج الوطني، وبين متطلبات التصدير والمضاربات التجارية.

رصيد غذائي

في هذا المشهد المعيشي الصعب، يتحول الزيتون من رصيد غذائي وطني إلى سلعة نادرة، تثير القلق حول الأمن الغذائي ومستقبل العادات الغذائية السورية، فمع بداية موسم القطاف، شهد سوق زيت الزيتون السوري ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، هذا الرقم القياسي يجعل مادة أساسية وذات رمزية ثقافية في المائدة السورية بعيدة المنال عن شريحة واسعة من المستهلكين، خصوصاً أصحاب الدخول المحدودة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاستهلاك المحلي والأمن الغذائي.

وللحديث أكثر حول هذا الموضوع التقت “الثورة” مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة المهندسة عبير جوهر حيث أكدت على تراجع إنتاج الزيتون في سوريا بنسبة 45 بالمئة هذا الموسم، بسبب التغيرات المناخية، مشيرة أن إنتاج موسم الزيتون الحالي يقدر بنحو 412 ألف طن، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 45 بالمئة مقارنة بالموسم الماضي، وأوضحت جوهر أن محافظة حلب تصدرت الإنتاج هذا العام بحوالي 110 آلاف طن من الزيتون.

كما بيّنت أن ما يقارب 20 بالمئة من الإنتاج يخصص لزيتون المائدة، في حين يوجّه 80 بالمئة لإنتاج الزيت، حيث يتوقع أن يبلغ إنتاج زيت الزيتون هذا الموسم نحو 66 ألف طن.

وعزت جوهر أسباب التراجع الحاد في الإنتاج إلى التغيّرات المناخية التي أثرت بشكل مباشر على أشجار الزيتون، لافتة إلى أن نحو 85 بالمئة من المساحات المزروعة هي بعلية وتعتمد على الأمطار، فيما أضافت أن انخفاض معدّلات الهطل المطري، وارتفاع درجات الحرارة في فترات حرجة من الموسم أثرا سلباً على عملية العقد وتطورالثمار، ما أدى إلى نضج قسري وتراجع كمية الزيت في الثمار.

كذلك أشارت إلى أن هذا الموسم يعد سنة معاومة في أغلب المناطق، إلى جانب ضعف قدرة المزارعين على تأمين الخدمات الزراعية الأساسية مثل التسميد والري التكميلي نتيجة ارتفاع التكاليف أو قلة الموارد، علاوة على ذلك فإن التعديات على أشجار الزيتون في بعض المناطق، ولا سيما في محافظة إدلب، أدّت إلى فقدان نحو مليون ونصف شجرة.

ورغم تراجع الإنتاج، توقعت جوهر أن تكون جودة الزيت أفضل هذا العام بفضل تراجع انتشار ذبابة ثمار الزيتون، ودعت المزارعين إلى اتباع أساليب القطاف الصحيحة في موعد النضج المناسب، ونقل الثمار بسرعة إلى المعاصر الملتزمة بالاشتراطات الفنية، إضافة إلى تخزين الزيت في عبوات نظيفة وبعيدة عن الضوء والرطوبة للحفاظ على الجودة.

ونوّهت جوهر بأن تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الزيتون تبلغ نحو دولار واحد، بينما تصل تكلفة إنتاج كيلوغرام زيت الزيتون إلى نحو 3.5 – 4 دولارات، منها 40 بالمئة للقطاف فقط، ما يشكل عبئاً كبيراً على المزارعين.

وختمت بالقول: إن الوزارة تتابع عمل المعاصر من خلال لجان فنية مركزية وفرعية تراقب الجوانب الفنية وطرق التصريف الآمن للمخلفات، وفقاً للمواصفة رقم 4083 لعام 2023 لضمان إنتاج زيت زيتون سوري عالي الجودة.

أكثر من مجرد سلعة اقتصادية

لا يقتصر زيت الزيتون على كونه منتجاً اقتصادياً، بل يمثل جزءاً من التراث الغذائي والثقافي السوري، حيث يعد عنصراً أساسياً في المائدة التقليدية، هذا ما أكده المهندس الزراعي أيمن الشوفي، مضيفاً أنه من الناحية الاقتصادية، يعتبر الزيتون أحد المنتجات الزراعية الوطنية الرائدة ومصدراً للثروة الزراعية، إلا أن هجر المستهلكين لهذه المادة يعكس تحولاً في العادات الغذائية، وتدهور القدرة الشرائية، ويؤشر إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة على الأسر السورية.

لماذا ارتفع السعر؟

يعود تراجع الإنتاج الموسمي – كما يقول الشوفي – إلى أثر الجفاف وانخفاض الهطول المطري على كمية ونوعية محصول الزيتون، مما قلص العرض في السوق، كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة وعمالة ونقل وعصر، زاد هذا العبء على المزارعين، علاوة على تحكّم التجار والاحتكار، إذ استغل بعض التجار ضعف الرقابة وندرة الإنتاج للسيطرة على الأسعار، إضافة إلى آلية السوق الحرّة والتصدير، حيث أن فتح باب التصدير في ظلّ ضعف الإنتاج المحلي أدى إلى تضييق المعروض وزيادة الضغوط على المستهلك المحلي، ناهيك عن ضعف القوة الشرائية، فالأجور الشهرية لا تكفي لمواجهة هذا الارتفاع، ما دفع الأسر للبحث عن بدائل أرخص، إضافة إلى اللجوء إلى عمليات التهريب، بعيداً عن التصدير، الأمر الذي يرتب تبعات أخرى.

تاريخ من التذبذب والكساد الموسمي

ويرى الشوفي أن الارتفاع الحالي ليس حدثاً منعزلاً، بل يأتي ضمن سلسلة تحديات اقتصادية ومعيشية تواجه سوريا، بما في ذلك تذبذب الإنتاج الزراعي، بسبب التغيرات المناخية، وتقلب الأسعار الموسمية، وكساد بعض المواسم السابقة نتيجة ضعف القدرة الشرائية وتوقف التصدير، لتعاود الأسعار الصعود مجدداً مع تراجع الإنتاج الحالي، فيما يشير ارتفاع أسعار الزيتون إلى التضخم وتآكل القدرة الشرائية للأسر، ويعكس صراعاً بين الحاجة المحلية لعائد التصدير، أما اجتماعياً، يعكس هجر المستهلكين للزيتون تغيراً في العادات الغذائية وارتفاع مستوى الحرمان المعيشي، بينما سياسياً، يبرز التحدي الأمني والغذائي في ظل التغير المناخي، والحاجة إلى إيجاد توازن بين دعم الإنتاج المحلي وتلبية متطلبات السوق الداخلي.

وأوضح أن هناك تبايناً بين الأطراف الفاعلة، إذ إن المستهلكين، يشكون من ارتفاع الأسعار، ويطالبون بالتدخل الحكومي لضبط الأسعار أو دعم المنتج، والمزارعين، يركزون على ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الموسم ويحمّلون التجار مسؤولية زيادة الأسعار، أما التجار والمصدرين، يبررون ارتفاع الأسعار بالطلب المتزايد على التصدير وقلة الإنتاج، ويطالبون بتسهيلات لدعم الصادرات.

فيما الجهات الحكومية، تعتمد السوق الحرة في التسعير وتدخلها محدود على حالات الاحتكار، مع دعوات لتوفير دعم للمزارعين أو تحديد سقف سعري لضمان استهلاك السوق المحلي.

تداعيات ونتائج محتملة

تطرق المهندس الشوفي إلى أنه قد يدفع ارتفاع أسعار الزيتون المستهلكين للبحث عن بدائل أرخص وأقل قيمة غذائية، ما يزيد احتمالية غش الزيت في السوق، كما يزيد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات تنظيمية مثل وقف التصدير أو تقديم دعم للمزارعين والمستهلكين على حد سواء.

فمن الضروري دراسة أسباب تراجع الإنتاج، مع التركيز على تأثيرات الجفاف والتغيرات المناخية، كما يمكن إجراء تحليل اقتصادي يقارن بين أسعار الزيتون والأجور الشهرية لتقدير قدرة المستهلك على شراء الكمية الأساسية، إضافة إلى ذلك، يجب متابعة صراع التصدير مقابل استهلاك السوق المحلي وتحليل أثر ضعف الجودة على الأسعار، مع إجراء مقارنات مع المواسم السابقة لمراقبة تطور الأسعار ومستوى استهلاك الفرد السنوي.

تحدٍ متعدد الأبعاد

ارتفاع أسعار زيت الزيتون يمثل تحدياً اقتصادياُ واجتماعياُ وسياسياً في آن واحد، إنه مؤشر قوي على تراجع القوة الشرائية وتغير العادات الغذائية، ويبرز الحاجة الماسة لتوازن بين دعم الإنتاج المحلي وتأمين متطلبات السوق الداخلي، لضمان استدامة أحد أهم رموز الثقافة الغذائية السورية وحماية الأمن الغذائي للمواطنين.

آخر الأخبار
سوريا تفتح صفحة جديدة من التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سوريا نموذج للسياحة الثقافية في المعرض المتوسطي للسياحة الأثرية بإيطاليا الرئيس الشرع يناقش مع وزارة الداخلية الخطط والبرامج المستقبلية لتعزيز الأمن والاستقرار جدار استنادي لمدخل سوق المدينة في حلب القديمة مصطفى النعيمي: "قسد" رهينة الأجندات الخارجية  مؤيد القبلاوي: انتهاكات "قسد" تقوض اتفاق الـ10 من آذار  القنيطرة تتحدى.. السكان يحرقون مساعدات الاحتلال رداً على تجريف أراضيهم انطلاق الملتقى الحكومي الأول لـ "رؤية دير الزور 2040" الشيباني يعيد عدداً من الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد إلى العمل ظاهرة جديدة في السوق السورية "من لا يملك دولاراً لا يستطيع الشراء" سرقة الأكبال الهاتفية في اللاذقية تحرم المواطنين من خدمة الاتصالات حقوق أهالي حي جوبر على طاولة المعنيين في محافظة دمشق غزة أرض محروقة.. لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين؟ سيارة إسعاف حديثة وعيادة جراحية لمركز "أم ولد" الصحي بدرعا المفوضية الأوروبية تخصص 80 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في الأردن تحديات وصعوبات لقطاع الكهرباء بطرطوس.. وجهود مستمرة لتحسينه زيارة الشرع إلى واشنطن إنجاز جديد للسياسة الخارجية السورية بحث تعزيز التدابيرالأمنية في "الشيخ نجار" الصناعية بحلب اقتصاد محصول الحمضيات "لا معلق ولا مطلق" والوعود "خلبية" سوريا ولبنان تسعيان إلى تعزيز التعاون وتجاوز العقبات الماضية