دموع في الظل.. جريمة ختام الناعمة وكشف أزمة حماية أطفال اللاجئين

الثورة- مها دياب:

أعلنت وسائل الإعلام اللبنانية في الأول من نوفمبر 2025 عن جريمة بشعة قلبت موازين الإنسانية، إذ أكدت مصادر قوى الأمن الداخلي العثور على جثة الطفلة السورية ختام محمد نواف (8 سنوات) قرب شاطئ مدينة جونيه، بعد أيام من اختطافها من أمام منزلها في حارة الناعمة.

لم تكن الحادثة مجرد جريمة قتل عابرة في سجل الجرائم اليومية، بل كانت صفعة قاسية للضمير الجمعي، وكاشفاً مروعاً عن انهيار متسارع في شبكات الحماية الاجتماعية والقانونية على مدى سنوات، دفعت فظاعة التفاصيل التي جمعت بين الاختطاف والاعتداء الجنسي والتعذيب قبل الإلقاء في البحر أهل البلدة إلى إصدار بيان غاضب وصفوه بـ “ناقوس خطر يدق في آذان المسؤولين الغافلين”، مطالبين بخطة طارئة لتنظيم البلدة وضبط التعديات.

علقت المحامية والناشطة المدنية أمل جديد على هذه النقطة بالقول: “هذه الجريمة ليست طارئة، بل هي انفجار متوقع لوعاء الغليان الذي نعيش عليه منذ سنوات، نظام الحماية بأكمله يعاني من فشل هيكلي، والأطفال هم وقوده الأسهل.

نحن أمام اختبار حقيقي لإنسانيتنا، ولسنا بحاجة إلى شجب واستنكار بقدر حاجتنا إلى فعل حقيقي يمنع تحول مجتمعاتنا إلى غابة تفتك ببراءتها”.

المناخ المثالي للجريمة

لم تولد جريمة ختام من فراغ، بل كانت الثمرة المرة لبيئة موبوءة باليأس والإهمال، تشكلت على مدى عقد من الأزمات المتلاحقة.

أظهرت آخر تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة “اليونيسف” أن أكثر من 85 بالمئة من العائلات السورية اللاجئة في لبنان تعيش تحت خط الفقر المدقع، بينما يعيش ما يقارب 60 بالمئة منهم في مساكن غير آمنة وغير لائقة.

أكدت هذه المعطيات ما ذكرته المحامية أمل جديد في قولها “الأرقام جافة، ولكنها تخفي وراءها مأساة إنسانية تتفاقم يومياً، فالعائلات تدفع بأطفالها إلى سوق العمل أو الزواج المبكر كآلية يائسة للبقاء، ما يخلق سوقاً موازية للاستغلال يسهل على المجرمين اختراقها والتمدد فيها، نحن هنا لا نتحدث عن خيارات، بل عن ظروف قاهرة تفرض على الأهالي اتخاذ قرارات مؤلمة”.

الفقر.. بيئة حاضنة للعنف

يولد الفقر والبطالة المستشرية التي تتجاوز نسبتها 90 بالمئة بين الشباب اللاجئ ضغطاً نفسياً هائلاً يتحول تدريجياً إلى عنف داخلي مكبوت، هذا ما وصفته جديد بأنه الآلية المعقدة: “فعندما يعجز رب الأسرة عن توفير رغيف الخبر، وعندما تشعر الأم بالعجز عن إشباع أبسط احتياجات أطفالها، يتحول العنف إلى لغة الحوار الوحيدة داخل المنزل، والطفل هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، فيصبح متنفساً للإحباط أو سلعة في سوق الاستغلال.

والدراسات النفسية تشير إلى أن 70بالمئة من حالات العنف الأسري في مجتمعات اللجوء ترتبط مباشرة بالضغوط الاقتصادية”.

العزلة القانونية.. صمت القوانين

يفتقر آلاف اللاجئين السوريين إلى وثائق الإقامة القانونية، بسبب تعقيد الإجراءات وتكاليفها الباهظة، ما يحولهم إلى هدف سهل للمجرمين الذين يستغلون هذا الوضع الهش.

شرحت جديد هذه المعضلة بقولها: “اللاجئ غير المسجل كالإنسان الشفاف الذي لا يحمل هوية، يخشى الذهاب للشرطة للإبلاغ عن جريمة لأنه يخاف أن يكون الضحية التالية، وهذا الصمت الإجباري يخلق بيئة مثالية لإفلات المجرمين من العقاب، ويشجع على تكرار الجرائم.

والقوانين اللبنانية تتضمن نصوصاً جيدة للحماية، لكن تطبيقها يتوقف على الوضع القانوني للضحية، ما يخلق تمييزاً صارخاً في الوصول إلى العدالة”.

انهيار النسيج الاجتماعي

تتحول المخيمات والتجمعات العشوائية، مثل تلك الموجودة في عرسال والبقاع إلى بؤر للتوتر الاجتماعي والانفجار الأخلاقي، تقول جديد: “الكثافة السكانية المرتفعة تمحو مفهوم الخصوصية وتقتل الكرامة الإنسانية، في هذه الظروف، يفقد المجتمع قدرته على الرقابة الذاتية والتكافل الاجتماعي، فيتحول الجار من حامٍ إلى خطر محتمل.

الإحصاءات تشير إلى أن 40 بالمئة من جرائم العنف في المخيمات تقع بين الجيران أو الأقارب، ما يعكس عمق الأزمة الاجتماعية التي نعيشها”.

مأساة في قلب العاصفة

كشفت تحقيقات قوى الأمن الداخلي تفاصيل مروعة عن الجريمة التي هزت الرأي العام المحلي والدولي، وأوضحت المحامية جديد أن ما حدث لختام لم يكن جريمة قتل عادية، بل كان طقساً من طقوس العنف الممنهج، التعذيب والاعتداء، ثم الإلقاء في البحر يشير إلى نفسية مجرمة استسهلت انتهاك كل الحرمات، والجاني استغل ظروف البيئة المحيطة ووضع العائلة الهش لتنفيذ جريمته، ما يدل على وجود عقلية إجرامية متطورة تعرف كيف تختار ضحاياها.

الضحية الأولى.. طفولة منهوبة

كانت ختام محمد نواف (8 سنوات) تمثل النموذج الأبرز للطفولة المنهوبة في مجتمعات اللجوء، عاشت طفولتها بين خيمة متهالكة ومستقبل مجهول، لتنتهي حياتها بطريقة ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، هذا ما أكدته جديد بقولها: إن ختام ضحية مباشرة لجريمة القتل، لكنها قبل ذلك كانت ضحية لنظام فاشل في الحماية، وضحية لفقر مدقع، وضحية لوضع قانوني هش، وموتها يمثل الفشل الذريع لجميعنا في حماية الأبرياء”.

الضحية الثانية.. شاهد على الجريمة

وأكدت أن “الطفل علي (6 سنوات) شقيق ختام الناجي هو الضحية المستمرة للجريمة، مشاهد التعذيب والقتل التي شهدها تركته يعاني من صدمات نفسية عميقة قد تلازمه مدى الحياة.

و الدراسات النفسية تشير إلى أن 60 بالمئة من الأطفال الذين يشهدون جرائم عنف مباشرة يصابون باضطراب ما بعد الصدمة المزمن إذا لم يتلقوا العلاج المناسب، ودعت الناشطة المدنية إلى “تدخل عاجل وشامل لتوفير ملاذ آمن للطفل علي، مع برنامج إعادة تأهيل نفسي مكثف، لأن العدالة لا تكتمل بمعاقبة الجاني فقط، بل بإنقاذ من تبقى ومساعدتهم على استعادة حياتهم”.

الإطار القانوني والمساءلة

أشارت جديد إلى أن “التكييف القانوني للجريمة سيصنف على الأرجح كقتل عمد مقترن بالتعذيب والأعمال الوحشية وفق المادة 549 من قانون العقوبات اللبناني، وهي جناية تصل عقوبتها إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة”.

وأضافت: “لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في النص القانوني الذي يعتبر متطوراً إلى حد كبير، بل في تطبيقه بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، وفي ضمان محاكمة عادلة تراعي ظروف الضحية والناجين”.

ولفتت جديد إلى أن “القانون سينظر بدقة بالغة في دور والدة الضحية، هل كانت على علم بالإساءات السابقة؟ هل قصرت في واجب الحماية؟ الإهمال في حماية الطفل يعتبر جريمة بحد ذاتها وفق قانون حماية الطفل رقم 422/2002.

المحكمة ستبحث في مدى توفر عناصر جريمة ‘التعريض للخطر’ التي تنص عليها المادة 583 من قانون العقوبات، خاصة وإن صدقت الرواية بأن الجاني كان زوج الأم وهو ما يزيد من مسؤوليتها في الحماية”.

قانون حماية الطفل.. نصوص بلا تطبيق

وأكدت أن “قانون حماية الطفل رقم 422/2002 يعد تشريعاً متقدماً على مستوى النصوص، لكنه يعاني من ضعف كبير في التطبيق، والجهات الحكومية المعنية تعاني من شح حاد في الموارد، ما يحد من قدرتها على التنفيذ الفعال.

المجلس الأعلى للطفولة يعمل بطاقة محدودة، ووزارة الشؤون الاجتماعية تواجه صعوبات جمة في توفير الحماية للضحايا بسبب نقص التمويل والكوادر المؤهلة”.

تحديات الوصول إلى العدالة

وأوضحت أن “اللاجئين يواجهون عوائق كبيرة في الوصول إلى العدالة، أهمها التواصل وعدم القدرة على تحمل تكاليف المحاماة والخوف من السلطات، الإحصاءات تشير إلى أن 70بالمئة من قضايا العنف ضد الأطفال اللاجئين لا تصل إلى المحاكم بسبب هذه العوائق.

هذا الواقع يدفع إلى ضرورة وجود تمثيل قانوني مجاني للاجئين، وبرامج توعية بحقوقهم، وتعاون أوثق بين المنظمات غير الحكومية والجهات القضائية”.

دور المنظمات في سد الفجوة

أشادت جديد بدور المنظمات غير الحكومية، قائلة: “بدون تدخل المنظمات مثل مفوضية اللاجئين واليونيسيف ومنظمة إنقاذ الطفل، كان يمكن أن تكون الحصيلة أكبر بكثير، فرقهم الميدانية تمثل خط الدفاع الأول في الكشف عن الحالات وإيوائها، وهم يملؤون الفراغ الهائل الذي تركته الدولة اللبنانية، ففي الأزمات الأخيرة، سجلت هذه المنظمات تدخلاً مباشراً في أكثر من 500 حالة عنف ضد أطفال لاجئين سنوياً”.

الإيواء الآمن.. ملاذ من الرعب

أكدت جديد أن “مراكز الإيواء الآمن التي تديرها المنظمات غير الحكومية تمثل شريان الحياة للأطفال الناجين من العنف، هذه المراكز توفر الحماية النفسية والقانونية، وفي حالة الطفل علي، سيكون وجوده في المركز أمراً حيوياً لسلامته النفسية والجسدية، خاصة مع وجود تهديدات محتملة من أقارب الجاني”.

وبينت أن “الدعم النفسي للطفل علي هو استثمار في إنسانيتنا الجماعية، مثل منظمات إنقاذ الطفل ولجنة الإنقاذ الدولية تعمل على إعادة بناء شخصية الطفل بعد أن حطمتها الجريمة، والبرامج النفسية المتخصصة تساعد في تخفيف آثار الصدمة، ومنع تطور اضطرابات نفسية مزمنة، وتمكين الطفل من استعادة ثقته بنفسه وبالعالم من حوله”.

المرافقة القانونية.. عدالة صديقة للطفل

كما أوضحت أن “الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان (UPEL) يقوم بدور محوري في مرافقة الأطفال الضحايا خلال الإجراءات القضائية، مع وجود مرشد نفسي وقانوني بجانب الطفل يحميه من التعرض لصدمة ثانوية أثناء الإدلاء بشهادته. الممارسات الدولية تشير إلى أن الأطفال الذين يتلقون الدعم يكونون أكثر قدرة على المشاركة الفعالة في الإجراءات القضائية، وتكون شهادتهم أكثر مصداقية ووضوحاً”.

نحو نظام حماية فعال

قدمت المحامية جديد مجموعة من التوصيات التي تراها أساسية لإصلاح نظام حماية الطفل: “نحن بحاجة إلى خطة شاملة تتعامل مع جذور المشكلة، ويجب أن نعمل على مستويات متعددة وبالتوازي لتحقيق نتائج ملموسة منها تعزيز الكشف المبكر: من خلال تدريب كوادر محلية على تحديد علامات العنف، مع توفير حوافز مادية للإبلاغ عن الحالات، ويجب إنشاء شبكة من المراقبين المجتمعيين في جميع التجمعات العشوائية، وتوفير خطوط ساخنة مجانية للإبلاغ، وضمان السرية التامة للمبلغين”.

ضمان تمويل مستدام لبرامج الحماية، مع تخصيص 30 بالمئة على الأقل من المنح للصحة النفسية المتخصصة، ويجب أن يشمل التمويل برامج إعادة التأهيل الطويلة الأمد، وليس فقط التدخلات العاجلة.

المجتمع الدولي يجب أن يدرك أن الاستثمار في حماية الأطفال هو استثمار في استقرار المنطقة بأكملها.

تسوية الأوضاع القانونية لللاجئين غير المسجلين، لأن الوثيقة القانونية تمنح الضحايا الجرأة للمطالبة بحقوقهم.

ويجب إلغاء كافة الرسوم المتعلقة بتجديد الإقامات، وتبسيط الإجراءات، وضمان عدم ترحيل من يتقدم ببلاغات عن جرائم، الإنسان الذي يحمل وثيقة قانونية هو إنسان يستطيع المطالبة بحقوقه”.

تفعيل آليات الإحالة الوطنية بين الوزارات والمنظمات غير الحكومية لضمان انتقال سلس للحالات، ويجب إنشاء قاعدة بيانات موحدة، وتطوير بروتوكولات عمل مشتركة، وتحديد مسؤوليات كل جهة بشكل واضح.

تمكين المجتمعات المحلية من خلال إنشاء لجان حماية مجتمعية تكون العين الساهرة على الأطفال، هذه اللجان يجب أن تضم ممثلين عن الأهالي والشباب والنساء، وتزود بالتدريب والمصادر اللازمة للقيام بدورها لأن الحماية الحقيقية تبدأ من المجتمع نفسه، وليس من خارجه.

مسؤلية تشاركية

كانت ختام الناعمة طفلة صغيرة تحلم كبقية الأطفال، تمتعت ببراءة تليق بعمرها الزاهر، لكنها تحولت إلى رمز مأساوي لواقع مرير نعيشه، تذكرنا قضيتها بأن مسؤولية حماية الطفل اللاجئ هي مسؤولية إنسانية تشاركية، تقع على عاتق الحكومة اللبنانية، والمجتمع الدولي، والمجتمع المدني، والمجتمع المحلي نفسه.

ويتطلب إنقاذ الأطفال مثل “علي” وآلاف غيرهم إرادة سياسية حقيقية وتمويلاً مستداماً وتعاوناً وثيقاً والتزاماً راسخاً بمبدأ أن كل طفل، بغض النظر عن جنسيته أو وضعه القانوني، له الحق في أن يعيش بكرامة وأمان، بعيداً عن الخوف والعنف.

وختمت جديد قولها قضية ختام ناقوس خطر يدق في ضمير العالم، مطالبة بتحول جذري في سياسات الحماية، ومذكرة بأن براءة الأطفال يجب أن تكون فوق كل اعتبار.

كانت ختام ضحية، لكنها أصبحت صوتاً للآلاف من الأطفال الذين لا يزالون يعيشون في ظل “وحشية الظل”، وعلينا ألا ندع صوتها يضيع في زحمة الأصوات، بل يجب أن يكون محفزاً للتغيير الحقيقي.

آخر الأخبار
 القنيطرة تتحدى.. السكان يحرقون مساعدات الاحتلال رداً على تجريف أراضيهم انطلاق الملتقى الحكومي الأول لـ "رؤية دير الزور 2040" الشيباني يعيد عدداً من الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد إلى العمل ظاهرة جديدة في السوق السورية "من لا يملك دولاراً لا يستطيع الشراء" سرقة الأكبال الهاتفية في اللاذقية تحرم المواطنين من خدمة الاتصالات حقوق أهالي حي جوبر على طاولة المعنيين في محافظة دمشق غزة أرض محروقة.. لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين؟ سيارة إسعاف حديثة وعيادة جراحية لمركز "أم ولد" الصحي بدرعا المفوضية الأوروبية تخصص 80 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في الأردن تحديات وصعوبات لقطاع الكهرباء بطرطوس.. وجهود مستمرة لتحسينه زيارة الشرع إلى واشنطن إنجاز جديد للسياسة الخارجية السورية بحث تعزيز التدابيرالأمنية في "الشيخ نجار" الصناعية بحلب اقتصاد محصول الحمضيات "لا معلق ولا مطلق" والوعود "خلبية" سوريا ولبنان تسعيان إلى تعزيز التعاون وتجاوز العقبات الماضية بخطط استثمارية وتصديرية.."الدواجن" تعيد تموضعها في السوق " ذهب ومهر" .. حين يتحول الزواج إلى حلم مؤجل في حلب نقص الأعلاف يعيد تشكيل معادلة الإنتاج الحيواني والاقتصاد المحلي دعم مادي لمجموعة الحبتور الإماراتية في تأهيل مراكز المتسولين والإعاقة رحّال يتفقد مديرية نقل حلب ويؤكد أهمية الارتقاء بالخدمات قطاع الخدمات بين أزمة الكهرباء والتوازن الاقتصادي