التسول  ما بعد الحرب.. أزمة إنسانية أم مهنة مستحدثة؟ 

الثورة – إيمان زرزور :

خلفت الحرب  التي امتدت لأكثر من عقد آثاراً اقتصادية واجتماعية عميقة، أدت إلى تغيّرات جذرية في نمط الحياة اليومية للمواطنين، ولعل من أبرز الظواهر التي تصدرت المشهد في السنوات الأخيرة هي التسول، الذي تحول من سلوك فردي عابر إلى ظاهرة واسعة النطاق، تثير جدلاً اجتماعياً وإنسانياً واقتصادياً.

بات مشهد المتسولين جزءاً من الحياة اليومية في المدن والبلدات ، يتوزعون على الأرصفة، قرب إشارات المرور، أمام المساجد والمستشفيات، وحتى داخل الأسواق التجارية، لا يقتصر التسول على الكبار أو النساء، بل يشمل الأطفال والمسنين، في مشهد يتكرر بلا رادع قانوني أو اجتماعي.

ولم تقتصر الظاهرة على الشوارع، بل تسللت إلى العالم الرقمي من خلال ما يُعرف بـ”التسول الالكتروني”، حيث تُنشر قصص مؤثرة وصور مفبركة أحياناً عبر منصات التواصل الاجتماعي لاستدرار تعاطف المستخدمين وجمع التبرعات.

تكمن وراء هذا الانتشار السريع للتسول أسباب متعددة، أبرزها الفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة والانهيار الاقتصادي الذي طال كل مفاصل الحياة، أضيف إلى ذلك فقدان المعيل نتيجة القتل أو الاعتقال أو النزوح، ما جعل آلاف العائلات بلا مصدر دخل.

النزوح الداخلي والدمار الواسع الذي طال البيوت والمرافق الأساسية أسهما كذلك في تفاقم الأزمة، فضلاً عن التسرب المدرسي الذي جعل الأطفال عرضة للاستغلال، في ظل تفكك الروابط الأسرية وانعدام شبكات الحماية الاجتماعية.

وفي المقابل، يشير مختصون إلى وجود ضعف في الرقابة القانونية والمؤسساتية، حيث لم تُفعّل مؤسسات الرعاية أو تُطبّق القوانين الرادعة بحق المتسولين المحترفين أو الجهات التي تديرهم.

تشير تقارير ميدانية إلى وجود شبكات منظمة تستثمر في بؤس المحتاجين، وتدير نشاط التسول كعمل مربح، مستغلة النساء والأطفال بصورة قاسية، وفي مقابل هؤلاء، تقف عائلات فقيرة بالفعل، تمتنع عن التسول رغم ظروفها الصعبة، ما يطرح تساؤلاً حول قدرة المجتمع والدولة على التمييز بين الحاجة الحقيقية والاحتيال الممنهج.

هذا الخلط يُضعف ثقة الناس بالمحتاجين، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى الامتناع عن تقديم المساعدة، وهو ما يضر فعلياً بالفئات الأكثر هشاشة.

اليوم، تحتاج هذه الظاهرة إلى معالجة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية، تبدأ بتعزيز دور الجمعيات الأهلية بالتنسيق مع المجالس المحلية، وتفعيل برامج التدريب المهني لمنح المتسولين فرصاً بديلة تكفل لهم دخلاً مستقراً.

كما يُعد تفعيل القوانين الرادعة ضد التسول المنظم، وإطلاق حملات توعية تحذر من تقديم المال العشوائي في الشارع، من الخطوات الضرورية لاحتواء الظاهرة. كذلك، يُوصى بدعم برامج الرعاية الاجتماعية التي تستهدف الأرامل والأيتام وذوي الدخل المحدود، بما يضمن تغطية الفئات الأكثر ضعفاً.

وخلاصة القول أن التسول في سوريا ما بعد الحرب لم يعد مجرد ظاهرة سلوكية فردية، بل انعكاس لأزمة اقتصادية واجتماعية مركبة، وبينما قد تمثل بعض الحالات مأساة إنسانية حقيقية، فإن مواجهتها تتطلب مقاربة تنموية عادلة، تعيد لأصحاب الحاجة كرامتهم، وتمنحهم أدوات العيش الكريم بعيداً عن ارتهان الشارع أو استغلال شبكات الظل.

آخر الأخبار
إنزال أول كابل بحري دولي يربط سوريا  بالعالم  سوريا تعزز موقعها الاستثماري في "مبادرة مستقبل الاستثمار 2025" بالرياض   الدواء السوري يعود إلى الواجهة   دعم منظومة مياه الشرب في بصرى الشام بدرعا   مسؤول أممي: إعمار سوريا ضرورة لاستقرار المنطقة الذهب والمعادن الثمينة.. فرصة لتعميق التعاون بين سوريا وأذربيجان أول سفير تركي في دمشق منذ 2012 ..ترسيخ للعلاقات والتعاون الاستراتيجي بمشاركة 50 صناعياً.. انطلاق معرض خان الحرير للألبسة الرجالية في حلب بحث تعزيز التعاون بين جامعة حلب ومنظمة "إيكاردا" و "السورية للبريد" هاكان فيدان يعيّن نُوح يلماز سفيراً لتركيا في سوريا "المؤتمر الطبي الأوروبي العربي الأول".. شراكة للعلم والحياة قطر وباكستان تجددان دعمهما لوحدة وسيادة سوريا الأمم المتحدة: 300 ألف لاجئ سوري عادوا من لبنان إلى وطنهم منذ مطلع 2025 وزير التعليم العالي: سوريا تنهض بالعلم من جديد وتستعيد مكانتها الطبية في العالم مايك بومبيو: أحمد الشرع هو “الرهان الأفضل” لمستقبل سوريا والمنطقة مئة يوم على اختفاء "حمزة العمارين" في السويداء ومطالب حقوقية بكشف مصيره أسعار المدافىء في حلب تحول بين المواطن ودفئها.. والغلَبة للبرد..!   وفد إعلامي سوري يختتم زيارة إلى قطر لتعزيز التعاون الإعلامي بيروت تُعين هنري قسطون سفيراً لها في سوريا قطاع الكهرباء.. فرص واعدة وتحديات قائمة