الثورة – مها دياب:
بعد أعوام ثقيلة أنهكتنا بتحدياتها، تطل السنة الهجرية الجديدة كنسمة رجاء هادئة تحمل في طياتها دعوة للتماسك والطمأنينة، نلتفت معها إلى دواخلنا لا لنعد ما فقدناه، بل لنستحضر ما تبقى فينا من قوة ودفء، فهي ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل انطلاقة تتجدد في كل عام حين نغادر الحزن إلى فسحة الأمل، ونتجاوز الفتور نحو المبادرة، ونستبدل التباعد بالألفة، إنها دعوة للعودة إلى المعاني التي ترمم ما تصدع فينا: من الرحمة، إلى الصفاء، وحتى النية الطيبة.
الهجرة من القسوة إلى الرحمة
يقول الدكتور علاء الدين الزعتري: “الهجرة ليست عبوراً من مكان، بل ارتقاء في المقام”، مشيراً إلى أن الهجرة فعل داخلي يجعل الإنسان يغادر ما يثقله من حقد، وأنانية، وغلظة، ليصل إلى ساحات اللين والعدل والمشاركة، فهي دعوة للتحول الخلقي قبل أن تكون نقلة مكانية.
ويؤكد أن المحبة كرم لا ينفد، لا يفقر صاحبها ولا تقاس بمقابل، ويرى أن المحبة طاقة متجددة، تنبع حين نبادر، وتزدهر حين نبقيها حية في تفاصيلنا اليومية، ومن يمنحها دون شرط، يعيش أثرها، حتى في أكثر اللحظات صمتا.
وشدد الدكتور الزعتري على جعل العام الهجري الجديد بداية نحو المحبة بقوله: “اجعلوا من هذا العام باباً للتسامح، ومحراباً للنية الطيبة”.. فالبداية الجيدة لا تحتاج إعلاناً، بل تحتاج نية صافية بقوله: “من نوى أن يصلح، يصل. ومن نوى الخير، وجد الطريق إليه، فالنية هي الخطوة الاولى نحو التغيير”.
ودعا الدكتور الزعتري الجميع للتواصل بلين بقوله: “لا تنتظروا المناسبات لتكونوا أحن، فكل يوم يحمل فرصة للود”، والتوجه نحو السلام فعلاً لا خطاباً، وأن نكون أول من يبادر حين تسود القطيعة، لأن من يزرع اللين، لن يحصد إلا الطمأنينة.
عام خفيف على القلوب
وفي ختام كلماته، أكد أن الأعباء لا تصنع عاماً أفضل، بل الأفعال الصغيرة التي تزرع بالمحبة هي من تصنع الفرق وتحدث أثراً كبيراً، أن نحب أكثر، وأن نعتذر من دون كبرياء، وأن نختار الدفء بدل الصمت..
الهجرة النبوية تبقى درساً يتجدد في كل عام.. فلنجعل من احتفالنا بها هذا العام لحظة صادقة نبدأ فيها هجرتنا نحو أنفسنا، ونمنح من حولنا محبة لا تنضب، وألفة تبقى، وسلام يولد من القلب ويمتد أثره أينما كنا.