الثورة – جهاد الزعبي وسمير المصري:
أصبحت قضية المخدرات- تهريباً وإدماناً و الاتجار بها- بالوقت الحالي من أكبر القضايا التي تعاني منها دول العالم وتسعى جاهدة لمحاربتها لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
ونحن في سوريا وبسبب تصرفات عصابات النظام المخلوع عانينا ومازلنا نعاني من هذه المشكلة الخطيرة، بعد مصادرة كميات كبيرة منها في المنطقة الجنوبية كانت معدة للتهريب خارج القطر.
خطر الإدمان
بين الدكتور عبد المعين الربداوي- اختصاصي عصبية، أن المخدرات هي كل مادة نباتية ومصنعة تحتوي على عناصر منومة أو مسكنة أو مفترة والتي اذا استخدمت في غير الأغراض الطبية المعدة لها فإنها تصيب الجسم بالفتور والخمول وتشل نشاطه كما تصيب الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي، بالأمراض المزمنة كما تؤدي إلى حالة من التعود أو ما يسمى بالإدمان مسببة أضرارا بالغة بالصحة النفسية والبدنية والاجتماعية .
وأوضح د. الربداوي أن الإدمان هو الحالة الناتجة عن استعمال مواد مخدرة بصفة مستمرة بحيث يصبح الإنسان معتمداً عليها نفسياً وجسمياً، بل ويحتاج الى زيادة الجرعة من وقت لآخر ليحصل على نفس الأثر دائماً، وهكذا يتناول المدمن جرعات تتضاعف في زمن وجيز حتى تصل لدرجة تسبب أشد الضرر بالجسم والعقل فيفقد الشخص القدرة على القيام بأعماله وواجباته اليومية في غيابها، وفي حالة التوقف عن استعمالها تظهر عليه أعراض نفسية وجسدية خطيرة تسمى أعراض الانسحاب، وقد تؤدي إلى الموت، والإدمان يمكن أن يكون إدمان على المشروبات الروحية أو المخدرات أو الأدوية النفسية المهدئة أو المنومة أو المنشطة .
وأضاف: إن الجهل بمخاطر استعمال المخدر، مثل ضعف الوازع الديني والتنشئة الاجتماعية غير السليمة، والتفكك الأسري، والفقر والجهل والأمية والثراء الفاحش والتبذير من دون حساب، وانشغال الوالدين عن الأبناء، وعدم وجود الرقابة والتوجيه، وعدم وجود الحوار بين أفراد العائلة، ومجالسة أو مصاحبة رفاق السوء والبطالة والفراغ يؤدي إلى الإدمان، وحدوث المشكلة، وظهور مخاطرها على صحة الفرد والمجتمع.
المدمن
وحسب الدكتور رياض العاسمي- أستاذ علم النفس في كلية التربية، فإن علامات الشخص المدمن، التغير المفاجئ بنمط الحياة كالغياب المتكرر والانقطاع عن العمل أو الدراسة، وتدني المستوى الدراسي أو أدائه في العمل، والخروج من البيت لفترات طويلة والتأخر خارج البيت ليلا، والتعامل بسرية فيما يتعلق بخصوصياته، وتقلب المزاج، وعدم الاهتمام بالمظهر، والغضب لأتفه الأسباب، والتهرب من تحمل المسؤولية واللامبالاة، والإسراف دون حساب وزيادة الطلب على النقود، وتغيير مجموعة الأصدقاء والانضمام إلى شلة جديدة، والميل إلى الانطواء والوحدة، وفقدان الوزن الملحوظ نتيجة لفقدان الشهية.
وبين د. العاسمي أن أنواع المخدرات تصنف على أساس تأثيرها والبعض الآخر يصنف على أساس طرق إنتاجها أو بحسب لونها وربما بحسب الاعتماد (الإدمان) النفسي والعضوي، هناك أنواع عديدة من المواد المخدرة تتفاوت في درجة تأثيرها وطريقة عملها على الجهاز العصبي للإنسان مثل الحشيش والماريجوانا، والمخدرات المهدئة والمخدرات المنشطة مثل الكوكايين المواد المهلوسة مثل (ال. اس. دي) والمواد المستنشقة (العطرية) مثل الصمغ والمسكنات والشعلة والهروبين والمهدئات الطبية مثل المورفين.
وتتمثل الأعراض المصاحبة لتعاطي الحشيش أو الماريجوانا بحسب العاسمي، فهي الشعور بالتسامي والعظمة في التفكير والشعور بالهدوء والسرور ويخيل للمتعاطي أنه حصل على تقدير وتمييز عميق للألوان والأنغام ومواضيع الحديث فيما أنه يبدو غير ذلك للآخرين وهو يؤدي إلى ضعف الذاكرة وتسارع النبض وارتفاع ضغط الدم واحمرار العينين وجفاف الفم والحنجرة وضعف القدرة على التركيز والتناسق الحركي وزيادة الشهية.
أعراض التعاطي
وعن الأعراض المصاحبة للتعاطي بين الدكتور العاسمي أنها تتلخص بالشعور بالاسترخاء الوهمي والهذيان وقلة القدرة على التركيز والحركة والتشويش في التفكير وإلى ثقل في عضلة اللسان وفقدان الوعي، مؤكداً أنه من أكثر الأسباب المؤدية للوفاة لما يسببه من اضطرابات في التنفس، واحساس قوي بالتيقظ، وقلة الشهية لتناول الطعام وانخفاض الوزن، وعدم الشعور بالاستقرار مع القلق المستمر، وعدم القدرة على النوم، وتزايد نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم وارتفاع درجة الحرارة، وقد يبدو المتعاطي عدوانيا مرتبكا منفعلا، وفي حال انخفاض نسبة المخدر يؤدي إلى الإحساس بالكآبة والحزن والاضطرابات النفسية.
وحسب الدكتور العاسمي، يسبب الإدمان أضراراً جسيمة مدمرة، يؤثر على كفاءة جميع وظائف الأعضاء بالجسم ولكل مخدر أثره الخاص، ومن الأثار تشترك بها كافة المخدرات ضمور قشرة الدماغ التي تتحكم في التفكير بتعاطي المخدرات ولو بدون إدمان يؤدي الى نقص في القدرات العقلية وإلى إصابة خلايا المخيخ بالضمور.
وكذلك يؤدي الى تعرض المدمنين لعدد من الأمراض مثل سرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمريء، وتلف وتشمع الكبد، والإصابات الجلدية نتيجة تكرار الحقن الوريدية، وبطء الاستجابات وردود الفعل الحركية، وضعف مناعة الجسم ومقاومته للأمراض، والإصابة بمرض الإيدز، ومرض التهاب الكبد البائي.
وأوضح د. العاسمي أن المدمن يصاب بنوبات من الهذيان والارتعاش وفقدان الوعي وتليف الكبد وتضخم طحاله كثيراً ويصاب بالتهاب الأعصاب المتعددة ومنها العصب البصري، والقيء المتكرر وفقدان الشهية يؤديان بالمدمن إلى الهزال الشديد وتهيج الأغشية المخاطية للأمعاء والمعدة وإلى احتقانها وتقرحها، والوفاة نتيجة لتناوله الجرعات الزائدة .
وفي هذا المجال يرى الأستاذ في كلية التربية الثالثة في درعا إبراهيم المصري، أن الشخص المدمن على استعداد لدفع أضعاف قيمة المادة المخدرة كي يحصل عليها، كما أن إنتاج هذا الشخص يقل ويتدهور مما يتسبب أيضا في فقدان وظيفته وضياع مصدر رزقه، فيلجأ للسرقة وارتكاب الجرائم مما يزعزع أمن المجتمع والأسرة على السواء.
ولا يستطيع المدمن نتيجة ذلك- وفق المصري- القيام بالتزاماته العائلية فيؤدي إلى انهيار الأسرة وفقدان الأمن المادي والمعنوي لأعضاء أسرته مما ينتج عن ذلك حدوث الطلاق في تلك العائلات وتشرد الأبناء وترتفع أيضاً نسبة الحوادث خاصة حوادث السير والانتحار.
إضافة إلى أن المدمن إنسان غير منتج يلحق بمجتمعه خسارة كبرى في الإنفاق على علاجه من الأمراض وعلى إنشاء مصحات لعلاجه بالذات وعلى الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة المخدرات ملاحقة المنتجين والاتجار بها والمهربين لها، ثم إن أسعار المخدرات الباهظة تستنزف الدخل القومي لتجتمع في أيدي قلة من الناس تعمل لحساب جهات وعصابات إجرامية.
العلاج
وبالعودة للدكتور عبد المعين الربداوي، قال: ينبغي عند البدء في العلاج، فهم الآثار المترتبة على التوقف عن تعاطي المخدر، وعدم التوقف المفاجئ، لأن ذلك قد يؤذي المتعاطي أكثر من نفعه وقد تختلف آثار الانقطاع المفاجئ لكل مخدر على حده على حسب طريقة عمله وتأثيره سواء كان منشطاً أو مثبطاً أو مهدئاً، ولكن على وجه العموم فإن الأثر غالبا هو العكس تماما (أي عكس مفعول المخدر).
وأوضح أن التوقف المفاجئ عن المخدر يؤدي إلى التعرق والرجفة والآلام المتفرقة في الجسد واحمرار العين وقد يؤدي إلى ارتفاع في درجة الحرارة والعصبية الزائدة التي قد تودي بحياة الشخص وإيذاء من حوله وتؤدي إلى التشنجات وحالة من عدم الاستقرار النفسي والجسماني مما يدفع الشخص إلى البحث عن المخدر والقتال من أجل الحصول عليه، إذ إن أعراض انخفاض المخدر في الدم بنسبة كبيرة لا يمكن احتمالها إذا لم تكن تحت إشراف طبي متخصص.
وتشمل المرحلة الأولى في العلاج- بحسب د. الربداوي- إزالة السمية، وهو عبارة عن سحب آمن للمخدر أو الكحول من الجسم وتأخذ هذه العملية عدة أسابيع حتى تسحب من الجسم بشكل متدرج ومدروس وفق برنامج دقيق ومحدد، أما العلاج بالأدوية مثل الميثادون ومضادات الأفيونات فهي متوفرة للأشخاص المدمنين على الأفيون وعلاج النيكوتين (مثل اللصقات واللبان وبخاخ للأنف) ودواء البيبريون متوفر للأشخاص ممن يدمنون على السجائر.
محرمة دينيا
وبين الشيخ محمود البردان أن المخدرات مضيعة للوقت مذهبة للعقل تدخل الشخص في غيبوبة تمنعه أداء صلواته وتحقيق عبادته وتنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم كما أن سيطرتها على عقله تجره لارتكاب كل محرم من قتل وسرقة وهتك عرض وسواها.
وبين أن الصلة بين الخمر والمخدرات والإيدز تكمن في أنهما يسببان ذهبان العقل ويشجعان العلاقات المحرمة التي تجلب الإصابة بالإيدز قد يشارك أصدقاءه الإبر أو أدوات أخرى، واستخدام المخدرات الوريدية يسبب انتقال فيروس الإيدز الى الدم.
وولفت البردان إلى أن المدمنين أكثر تعرضاً للإصابة بالإيدز نتيجة وجودهم في بيئة تنتشر فيها العلاقات الجنسية المحرمة وقلة الوعي عند المتعاطي، منوهاً بأن الإسلام حرم المخدرات بكل أنواعها ومسمياتها ومذهبات العقل نظراً لأضرارها على صحة الفرد والمجتمع.
جهود المكافحة
تبذل الجهات المختصة بمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية جهوداً كبيرة في القضاء على هذه الظاهرة السلبية والخطيرة، وعلى مراقبة ومتابعة المنتجين والمسوقين والمهربين والمتعاطين والقبض عليهم وتقديمهم للقضاء لنيل العقوبة، وضبط كميات متنوعة كانت مخبأة ومعدة للتهريب والقبض على بعض المتورطين، بالتوازي مع إصلاح ومعالجة المدمنين عبر مراكز متخصصة بالإرشاد والتوعية الدينية والصحية، وتقديم المساعدة لهم نفسياً وصحياً للتخلص من هذا الوباء الخطير.