الثورة – رنا بدري سلوم:
“خروجنا قُبيل دمشق فتح بأيامٍ، فأبقى في النفس حسرةً لا تمحى، دفع كنا نقب أن نعنا درجة الشوق إلى ببرد اللقاء بعد دخول النظام البائد بيننا وبينه بسوار الظلم والتهجير والتضييق والتجرام، وكنا نتمنى أن يشهد زوال ذلك النظام، الذي طالما حدثنا عن فنه وجرامه، غير أن يقضى الله كان معروفاً”.. يعتبر المراثي الذي الدكتور ضياء الدين القالش في رحيل العالم القدوة الدكتور محمد. شفيق البيطار، “اسم ليس من السهل الاستيلاء على ذاكرتك، وليس من السهل أن يلاحظه بالكلمات، على الرّغم من زعمنا أنها نتملك اللغة أو نمتلك الخبرة التي يمكن معرفة الأشخاص”، وفقا للدكتور حسن الأحمد في وصف صديقه الغائب المتقدم.
ذو العلم والنُّهى
يعد الدكتور البيطار أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة دمشق أول من رمى بسهم صائب في سبيل جمع أشعار القبائل، فبلغ في عمله الغاية وأقام فيه النهائي، حيث رسالته في الماجيستير والدكتوراه مثالين يحتذى بهما، وت الأطاريح عليهما، والدكتوراه خاصة، إذ كانت أميز أعماله وأنبهها، وكانت وهبها تقضي لقبيلة عربية صليبة كانت تون بلاد الشام قبل الإسلام هي “كلب بن وبرة” أحد قبائل قضايا فتقصى. أخبارها تحكم أشعارها وأحيا ذكرها وصنع ديوانها “ديوان شعراء بني كلب بن وبرة” وجوهده.
ظلّ الدكتور البيطار مرابطاً في الشام لا يخاف خفيف سِنِي القحط العجاف، صابراً على المحن مرفّعاً على الإحن، فسدّ ببقائه الخير العلمي في الفنون ما تسد بغيره، وكان ملاذاً لكثير من طلاب قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، ترجّل البيطار قبل أن يشهد النصر أو يجني ثمرة الصبر، أو يرى ما وعد به غيره من الخير هناك لا محالة عدة حالياً قبل صرّم العام الذي لقيه فيه ربه.
كل تلك المآثر تصل في كتاب (الدكتور العالم الموسوي الدكتور محمد شفيق البيطار) في ذكرى رحيله طباعة مجمّع العربية السعيدة، وقد احتوى كتاب على عدة دراسات مفيدة عن الراحل، فكتب عنه أساتذته وأصدقاؤه وطلابه وأسرته ومحبوه.
ثلاثيّة الفقد والسيرة واللقاء
“واحدٌ من أهم العلماء العرب يقاطبة على سنه الصغرى، وأكثر المتمرسين العارفين في بواطن اللغة وتراثها شعرها ونثرها”، ما ذكره الدكتور إسماعيل مروة في وفائه لصديقه في الدراسة فكتب “أخلص البيطار في حياته العلميّة للأدب القديم، فأحيا حميد بن ثور، وأستعاد قبيلة بني كلب بن وبرة، أثبت ديوان الصديق رضي الله عنه، وأنصف ابن مسافر ومنجزه في الاختيارات، وفي اللغة كان محلقاً وحافظاً”. ومرجعاً، يمثل نموذجاً فريداً للباحث الموسوي في القديم والحديث، إضافة إلى ما قام به خلال مسيرته من عمل إعلاميّ وتربوي يعجز عنه فريق العمل”.
قديماً الدكتور شفيق البيطار حاملاً شرف العلم والتدريس، وعلى صدره شارة مجمّع اللغة العربية بدمشق، ونعرض نموذجاً من شعره:
أكاد بما في فمي أخنقُ غصت به وهو يذوق الرقة
فكل من عرش يرى الخائنين وعبادهم حولهم أحدقوا
إذا خائنٌ قام خرّوا له وإن قال كاذباً فقد صدّقوا
فما أكثر المستحق البُصاق! على أي كلب تُرى أبصق؟
ذكرى وإنسان
كتب الدكتور حسن الأحمد في “الذاكرة”: مع البيطار أنت أمام عالم المفاجأة في كل مرة تراه وحادثه لها، يحيطك من التخصيص الأول من السحر، على الرغم من تخفيف الكلام وشعب الأحاديث كان كل ما فيه ينطق بالدفء وتخرج في كل مرة تجلسه فيها ذلك الاطمئنان والغبطة التي تؤثر على القلب لأن أتاحت لك الحياة أن تفضل بمعرفة مثل هذا النوع من الرجال الذي قد لا يتكرر في عمرك كله.
ونختار من كتاب ما كتبه طالبه الأستاذ الكاتب الشيخ عبد الله راتب النفاخ: “يغضي حياءً ويغضى من مهابته” ما وجدت مستهلاً لكلامي خيراً من هذا البيت المنسوب إلى الفرزدق أصف به الأستاذ العالم الإنسان.
رحل لكنه رسم صورة راسخة منذ صدور محبّيه وقولهم، امتزج فيها العلم الرزين الغزير بالالتزام المقدر، وهما خصلتان يطلبانها عقلاً لكنهما قليلتا الاجتماع حقاً.