الثورة – سمر حمامة:
في زمنٍ تتقاذفه المفاهيم وتضطرب فيه القيم، باتت تربية الطفل الطبيعي تحدياً لا يستهان به، بل مسؤولية عظيمة في وجه طوفان من المؤثرات والشبهات.. لم نعد نواجه فقط سلوكاً خاطئاً نقومه، بل نجد أنفسنا في معركة يومية مع عالم افتراضي مفتوح، محتوى غير منضبط، ونماذج قد تبدو براقة ظاهرياً لكنها تحمل تناقضات عميقة.. بدورها صحيفة الثورة استطلعت أراء متخصصين ومواطنين حول هذا الأمر.
تقول أم لطفلين في سن المراهقة: “أشعر أحياناً أنني عاجزة أمام هذا العالم، كل ما أزرعه في طفلي بالحب والصبر يهتز أمام فيديو قصير أو تعليق من مؤثر لا يعرفه”.
ويشير أب إلى أن ما كان يصلح معهم كأطفال لم يعد مجدياً، مضيفاً: “أمنع ابني من شيء، فيُقابلني بتساؤلات أكبر من عمره، يستمدها من الإنترنت لا من بيئتنا”.
تشترك أغلب الأسر في المعاناة نفسها: كيف نحمي؟ كيف نوجه من دون أن نفرض؟ كيف نواكب هذا العصر دون أن نخسر أبناءنا أو نفقد هويتنا؟
التربية لم تعد تلقيناً
ترى مدرسة الإرشاد النفسي ايناس سعيد أن تربية الطفل اليوم تحتاج إلى مرونة وذكاء عاطفي كبير من الأهل، وتوضح أن “الطفل لم يعد يستقي معلوماته من والديه فقط، بل من مئات المصادر الأخرى، لذلك لا بد أن نربيه على التفكير الناقد، لا على الطاعة العمياء”.
وتضيف: “الحوار هو المفتاح، أن نجعل أبناءنا يثقون بأننا ملجؤهم الآمن، أن نسمع قبل أن نُصدر الأحكام، ونفهم قبل أن نوجه، التربية في زمن التشويش هي بناء علاقة، لا مجرد أوامر وتوجيهات”.
كيف نربي طفلاً طبيعياً وسط كل هذا؟
غرس القيم لا التلقين بها بدلاً من قول “افعل ولا تفعل”، علينا أن نناقش القيم ونربطها بالواقع، نوضح لماذا الكذب مؤذٍ، ولماذا الصدق مهم، ونُظهر أثر هذه السلوكيات في حياة الآخرين.
القدوة أهم من الكلام، إذ يرى الأطفال في أفعالنا مرآة لما نريد منهم أن يكونوا عليه، الصدق، التعاطف، ضبط النفس.. كلها تبدأ من سلوك الأهل، توازن رقمي مدروس: لا بد من تحديد وقت الشاشة، ومتابعة المحتوى، والأهم من ذلك، الحديث مع الطفل حول ما يشاهده، ونقاشه فيه وتنمية الهوايات وربط الطفل بالطبيعة والواقع فالأنشطة اليدوية، القراءة، الرياضة، وحتى جلسات العائلة، كلها تصنع أرضاً ثابتة يقف عليها الطفل وسط عالم متقلب.
فتح باب الحوار بلا خوف فلن يأتينا الطفل إذا خاف من ردات فعلنا، علينا أن نكون دائماً القناة الآمنة التي يلجأ إليها مهما كان خطؤه أو تساؤله.
إن تربية طفل طبيعي اليوم لا تعني عزله عن العالم، بل تعني تزويده بالبوصلة التي تهديه في بحر متلاطم، تعني أن نكون إلى جواره، نرافقه، نستمع له، ونمنحه أدوات الفهم قبل أن نطالبه بالاتباع.. قد يكون الزمن معقداً، لكن الطفل لا يزال يحتاجاً ما كان دائماً يحتاجه: الحب، الأمان، والقدوة.