الثورة – راغب العطيه:
تباينت آراء المتابعين حول الاتصال الهاتفي الذي جرى الاثنين الماضي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي يأتي في إطار الجهود الدبلوماسية التي تبذلها واشنطن لإيجاد حل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة منذ نحو 3 سنوات.
ولاقى الاتصال ردود فعل متباينة، فبينما أكد الجانب الأميركي أنه تكلل بإحراز “بعض التقدم”، قابله الجانب الأوروبي بتصعيد جديد لقبضة العقوبات على موسكو، ما يؤشر على أن السلام لايزال بعيد المنال في الأمد المنظور على الأقل.
بالمقابل قال الكرملين: إن الرئيسين بوتين وترامب ناقشا خلال الاتصال ما وصفها بآفاق “مبهرة” للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن البلدين يعملان على صفقة جديدة لتبادل السجناء، تشمل 9 أشخاص من كل جانب، لكن موعدها لم يحدد بعد.
ونقل موقع آر تي الروسي: عن مساعد بوتين للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف: إن الزعيمين لم يناقشا جدولاً زمنياً لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكن ترامب أكد اهتمامه بالتوصل إلى اتفاقيات بسرعة، وأنه يرى روسيا أحد أهم شركاء أميركا في الشؤون التجارية والاقتصادية”.
وأكَّد أوشاكوف أن ترامب وبوتين يؤيدان عقد لقاء شخصي، وسيكلفان فرقهما بالعمل على التحضير للاجتماع، ولكن لم يتم الاتفاق على مكان انعقاده بعد.
ديناميكية إيجابية
وفي السياق أشادت كارين كنايسل وزيرة الخارجية النمساوية السابقة بالديناميكية الإيجابية للحوار بين واشنطن وموسكو، معتبرة أن المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب وبوتين “أصبحت جزءاً من الروتين في العلاقات الثنائية، وهذا إنجاز إيجابي يعزز الثقة”، لكنها حذرت من أن “وقف إطلاق النار مجرد خطوة تقنية عسكرية، يجب أن تتبعها هدنة ثم مفاوضات سلام بترتيب زمني محدد”.
وقالت كنايسل التي تشغل حالياً منصب مديرة مركز G.O.R.K.I بجامعة سان بطرسبورغ: أنه من غير المرجح أن يتم تحقيق تسوية شاملة للنزاع في أوكرانيا خلال العام الجاري، وأشارت خلال مشاركتها في منتدى بطرسبورغ الدولي القانوني بحسب وكالة تاس الروسية إلى أن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف استشهد في كلمته بـ”معاهدة فرساي” التي أنهت الحرب العالمية الأولى، والتي شكلت في الواقع “هدنة لمدة 20 عاماً”، مؤكدة أن الجانب الروسي لا يسعى لـ”هدنة مؤقتة”، بل لتسوية جذرية تستأصل أسباب الأزمة.
وأضافت: “لا أستطيع تخيل تحقيق ذلك خلال عام واحد – ربما أكون مخطئة – لكنه يبدو غير واقعي”.
ولفتت كنايسل إلى أن الرئيس ترامب يريد “إغلاق الملف” قبل انتخابات الكونغرس العام المقبل، بينما يصر الجانب الروسي على حلٍّ شامل، وقالت: “نحن عالقون الآن في نقاش حول وقف إطلاق النار أو الهدنة أو المفاوضات من أجل السلام – وهي مفاهيم متباينة، هناك لبس كبير في المصطلحات، فكل طرف يفسرها بطريقة مختلفة، التوصل لتفاهم مشترك حول هذه المفاهيم سيكون أمراً محورياً”.
كنايسل أكَّدت أن العملية التفاوضية تعاني من “فوضى مفاهيمية” بسبب تباين أولويات الأطراف، ودعت إلى تشكيل مجموعات عمل منفصلة لمعالجة القضايا العسكرية واللغوية والثقافية، مشيرة إلى أن قضايا مثل “وضع اللغة الروسية في أوكرانيا ومستقبل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية” تتطلب وقتاً طويلاً.
قائمة شروط
إلى ذلك قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في جلسة استماع في مجلس الشيوخ: إن واشنطن تنتظر من موسكو أن تحدد شروطها لوقف إطلاق النار في أوكرانيا حتى يصبح موقف روسيا أكثر وضوحاً.
وأضاف روبيو بحسب “سي إن إن” “ما نفهمه هو أن الروس يعدون قائمة بالشروط التي سيكونون مستعدين بموجبها لوقف إطلاق النار، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الطريق أمام مفاوضات أوسع نطاقاً، نحن في انتظار تلك الشروط، سيكون لدينا فهم أوضح لحسابات (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بمجرد أن نحصل عليها”.
كما شدَّد روبيو على أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تسوية طويلة الأمد للنزاع وليس إلى هدنة مؤقتة بين الطرفين، قائلاً: “نريد إنهاء الصراع بطريقة يكون فيها السلام دائماً، لا أن يدوم ثلاثة أشهر ثم يستأنف من جديد (الصراع )، نحن بحاجة إلى اتفاق يمكن للطرفين التعايش معه لفترة دائمة”.
بينما أعرب وزير الخارجية سيرغي لافروف عن اعتقاده بأن الدعوات الغربية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا فوراً ومن دون شروط، تهدف إلى إعادة تسليح القوات الأوكرانية.
وفي مؤتمر صحفي عقب محادثاته مع وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان نقلته “تاس” أشار وزير الخارجية الروسي إلى أن الكثيرين في الغرب “يفهمون من التسوية في أوكرانيا، شيئاً واحداً فقط، يريدون وقف إطلاق النار من دون أي شروط لمدة شهر، أو حتى لفترة أطول، حتى يتمكنوا بهدوء من تسليح أوكرانيا، وحتى تتمكن أوكرانيا من تعزيز وتجهيز مواقعها الدفاعية بشكل أفضل”.
ولفت لافروف الانتباه إلى أن “هذه الدعوات لوقف إطلاق النار غير المشروط تأتي بعد عدة سنوات من موقف مختلف تماماً، والذي حدده الاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو – أي لا مفاوضات حتى تكتسب أوكرانيا موقفاً أقوى من روسيا، ولا مفاوضات على الإطلاق حتى تتعرض روسيا لهزيمة استراتيجية”.
ولكن الآن، ووفقاً للوزير لافروف، انقلبت الأمور 180 درجة، والآن باتوا يطالبون بوقف لإطلاق النار فوراً، لم يعد الأمر يتعلق بإلحاق هزيمة استراتيجية، بل بوقف إطلاق النار حتى تتمكن أوكرانيا من الحصول على فترة لالتقاط أنفاسها.