الثورة- ترجمة هبه علي:
بعد أيام من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس أحمد الشرع في الرياض، أبرمت دمشق مذكرة تفاهم تاريخية مع شركة موانئ دبي العالمية، وهي شركة بحرية ولوجستية مقرها دبي، لتطوير ميناء طرطوس. في ظل التداعيات الاقتصادية لحرب مطولة وعقوبات اقتصادية، قد تفقد روسيا موطئ قدمها الأساسي في سوريا الجديدة ذات التوجه الأكثر براغماتية، هذا لا يمثل ردا سورياً على روسيا لدعمها الطويل الأمد لبشار الأسد المخلوع.
حافظ الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التواصل، حيث ألمح الأول مراراً إلى بناء علاقات أفضل، مع ذلك، في ظل مشهد جيوسياسي متزايد التشرذم، تعطي القيادة السورية الأولوية للحفاظ على استقرارها النسبي، مما يلحق الضرر أحيانا بالروس، ويتماشى هذا النهج الواقعي مع ميناء طرطوس، الذي يمكن اعتباره تحدياً آخر للنفوذ الروسي في البلاد.
بعد أيام من لقاء الرئيس ترامب بالشرع في الرياض وتعهده برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 1979، وقعت دمشق مذكرة تفاهم تاريخية مع شركة موانئ دبي العالمية، عملاق النقل البحري واللوجستي في دبي، لتطوير وإدارة ميناء طرطوس ذي الأهمية الاستراتيجية، وبناء منطقة اقتصادية مجاورة، وتعد هذه الصفقة الضخمة، البالغة قيمتها 800 مليون دولار أميركي، والمبرمة في 15 أيار 2025، بالغة الأهمية لعدة أسباب.. بصفته منشأة متعددة الأغراض، استضاف ميناء طرطوس القاعدة البحرية الروسية منذ عام 1971 خلال حقبة الحرب الباردة، حيث سعى الاتحاد السوفيتي إلى توسيع وجوده في شرق البحر الأبيض المتوسط خارج منشآته في الإسكندرية ومرسى مطروح بمصر، ومع ذلك، مع تدهور العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس المصري أنور السادات، أُلغيت حقوق الوصول إليه تدريجياً، ما أدى إلى إنهاء معاهدة الصداقة بينهما عام 1976، وأدى ذلك في النهاية إلى نقل الاتحاد السوفيتي أصوله من منشأتين مصريتين إلى طرطوس، ما عزز دور القاعدة السورية في استراتيجيته البحرية الإقليمية.
حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ظلت طرطوس على حالها، وأصبحت القاعدة البحرية الروسية الوحيدة خارج أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة، واكتسبت أهمية متجددة مع التدخل الروسي في الحرب السورية عام 2015، حيث كانت مركزاً لوجستياً حيوياً لشحنات الأسلحة والدعم العسكري لحكومة الأسد.
طوال فترة الحرب ، ساهم ميناء طرطوس، إلى جانب قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والعديد من القواعد ومراكز المراقبة الأصغر الأخرى، في ترسيخ الوجود الروسي في غرب سوريا، واليوم، وبعد سقوط نظام الأسد وما تلاه من إجلاء عسكري، لا تزال هاتان المدينتان المعقلان الوحيدان لروسيا في البلاد.
يعد ميناء طرطوس ثاني أكبر ميناء في سوريا، ويقع على طرق التجارة الدولية، إلا أن الحرب والعقوبات المتزايدة أضعفته إلى حد كبير، وفي عام 2019، أبرمت حكومة الأسد وشركة إس تي جي الهندسية الروسية عقدا مدته 49 عاماً لإعادة إعماره وإدارته، ما منح روسيا فعليا هيمنة على عملياته التجارية والعسكرية، إلا أن الحكومة السورية الجديدة ألغت هذا العقد من جانب واحد في كانون الثاني من هذا العام بحجة أن الشركة لم تف بالتزاماتها التعاقدية البالغة 500 مليون دولار أميركي للاستثمار في البنية التحتية.
في هذه الحالة، تبرز موانئ دبي العالمية كخليفة مثالي، فبينما تمتلك شركة STG محفظة عالمية تمتد على 20 دولة وقاعدة عملاء رفيعة المستوى، تركز خبرتها بشكل أساسي على البنية التحتية للنفط والغاز، في المقابل، استفادت موانئ دبي العالمية، التي تأسست عام 2005 بعد اندماج الهيئات المحلية والدولية، من خبرتها في إدارة ميناء جبل علي والمنطقة الاقتصادية الحرة المجاورة (جافزا)، لبناء حضور عالمي قوي في عمليات الموانئ والمحطات.
في وقت سابق من هذا الشهر، جددت سوريا عقدها مع شركة CMA CGM الفرنسية، المبرم عام 2009، لإدارة أكبر موانئها في اللاذقية لمدة 30 عاماً أخرى.. وتعد كل من CMA CGM وموانئ دبي العالمية من بين أكبر عشر شركات تشغيل موانئ ومحطات في العالم، تعمل الأولى في 160 دولة، بخبرة أساسية في الشحن والخدمات اللوجستية، بينما تغطي موانئ دبي العالمية 79 دولة، وتتخصص في عمليات الموانئ والخدمات اللوجستية والمناطق الاقتصادية.
تبرهن زيارة الوفد الروسي في كانون الثاني، والتي تهدف بالأساس إلى الحفاظ على قاعدتيها، على التزام روسيا بالحفاظ على وجودها الاستراتيجي في سوريا، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، كانت روسيا المورد الرئيسي للأسلحة لسوريا، كما قدمت دعماً مالياً وفنياً أساسياً لقطاع الطاقة فيها، الأمر الذي تدركه الإدارة السورية الجديدة جيداً، وقد أقرت باعتمادها على الخبرة الروسية، ومع ذلك، ورغم أن الحكومة تقدم نفسها كقوة استقرار، إلا أنها تكافح للسيطرة على الفصائل التابعة لها العاملة داخل البلاد، والتي تهدد المصالح الروسية بشكل أكبر.
في هذا السياق، ورغم أن صفقة الميناء تمثل قراراً تجارياً عملياً، إلا أنها تفاقم الصعوبات الروسية القائمة أصلاً، فنظراً لنوايا الدولتين في تطبيع العلاقات، حتى في ظلّ تعاملهما مع قضايا خلافية شديدة، مثل تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد، يجب النظر إلى صفقة الميناء على أنها حلقة في عملية إعادة هيكلة أوسع للعلاقات، وليست قطيعة جوهرية، ولا يزال المسار النهائي لهذه العلاقة غامضاً.
المصدر- The Week