الثورة – إخلاص علي:
تبقى التقديرات لحجم الأضرار التي خلّفتها الحرائق في الساحل السوري في إطار التخمين ما لم تتشكل فرق فنية مختصة تُعاين المكان وفق أسس علمية وبحثية، ولكن ذلك لا يعني عدم توصيف الأضرار البيئية التي ستتركها هذه الحرائق على المنطقة المحروقة والمحيط القريب.
الدكتور المهندس علي داوود المختص بعلوم الغابات والحراج يقول: إن معظم الغابات التي تعرضت للحرائق هذا العام هي من الغابات الصنوبرية الطبيعية، وهذا النوع من الغابات معرض للتدهور البيئي بعد الحرائق بشكل كبير ويأخذ أشكالاً كثيرة، وبأبعاد زمنية مختلفة ويمكن إجمال التدهور البيئي بعدة نقاط..
أولاً: تدهور التنوع الحيوي بشقيه النباتي والحيواني، فالغابات الأوجية الصنوبرية هي ملاذ آمن للكثير من الحيوانات البرية والطيور والحريق سيدمر البيئة الآمنة لهذه الحيوانات إضافة إلى موت الكثير منها، وهذا ما تم ملاحظته أثناء الحرائق حيث تم رصد هروب كثير من الحيوانات إلى المناطق المجاورة للحريق، كما تم مشاهدة حيوانات متفحمة في مواقع الحرائق.
وتابع داوود حديثه لـ”الثورة”: الحريق في البيئة المتوسطية ذات الصيف الطويل والحار نسبياً سيدمر الكثير من الأنواع النباتية منها النادر ومنها المهم من ناحية الاستخدامات الدوائية والزراعية والبيئة والوراثية، وبالتالي ضرر الحريق على التنوع الحيوي سيكون مضاعفا في حالة حريق هذا العام بسبب اتساع رقعة الحريق والتي تم تقديرها بـ 20 ألف هكتار وطول مدته 12 يوماً، فالحريق قد يكون التهم ما تبقى من غاباتنا في تلك المنطقة.
ثانياً، والكلام للدكتور علي داوود، هناك صعوبة – إن لم يكن استحالة ـ في عودة التوازن والاستقرار إلى النظام البيئي للغابات الصنوبرية في ظل الظروف المناخية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المجاورة للغابات، وعليه يجب أن يتم وضع الخطط والدراسات اللازمة من قبل إدارة الغابات.
ثالثاً.. إن الحرائق أحدثت كارثة بيئية من ناحية تخريب المنظر الطبيعي لنظام بيئي غابي نادر عالمياً، فمن النادر عالمياً أن نجد الغابات الصنوبرية تنحدر من قمم الجبال والهضاب لتلامس أمواج البحر، وقد كان البعض منها تعرّض للحرق سابقاً ولكن ليس بهذه المساحات الهائلة أو المدة الزمنية التي تفعل الكثير حتى تحت القشرة الأرضية، إن لم يكن قد أودى بما تبقى من غابات صنوبرية في هذه المنطقة وبالتالي هناك صعوبة وشبه استحالة لتعويض ما خسرناه لأن هذه الغابات ربما تحتاج لضعف سنوات عمرها كي تعود إن ساهمت الظروف المناخية بذلك وهذا سيدمر أي مستقبل للسياحة في المنطقة وخاصة أن السياحة عمودها الفقري هو المنظر الطبيعي في تلك الجغرافيا التي تجمع البحر والجبل والسهل والغطاء النباتي الكثيف.
وأشار الدكتور داوود إلى الخسارة الاقتصادية الكبيرة من حيث قيمة الأخشاب المحروقة، والتي حسب كلامه لا تقارن بالخسارة البيئية والسياحية واصفاً حرائق هذا العام بالكارثة الحقيقية للسياحة والبيئة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية في تلك المنطقة.
أخيراً.. يمكن تحديد حجم الأضرار والخسارة التي تركتها حرائق الساحل من توصيفها بالكارثة، لأن الكارثة تُخلّف الدمار والمآسي التي يصعب تجاوزها بسهولة من دون أن تترك ندبات كثيرة تبقى شاهدة على هولها.