الثورة – نيفين أحمد:
قال الأكاديمي في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والمحاضر في جامعة ليفربول، الدكتور صدام الحمود: إن زيارة الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى واشنطن لم تأت في سياق عادي بل جاءت في “لحظة سياسية لا تشبه سابقاتها” حيث تتقاطع فيها التعقيدات الداخلية السورية مع الأزمات الإقليمية المتشابكة.
وأوضح أن هذه الزيارة تحمل دلالات متعددة ورسائل سياسية عميقة وتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تمثل بداية لانعطافة سياسية حقيقية في العلاقة بين دمشق وواشنطن أم أنها مجرد محاولة لتبادل الإشارات دون إحداث تغيير جوهري في المواقف المعلنة.
وأضاف: إن الزيارة ليست حدثاُ بروتوكولياً، بل اختبار متبادل للنيات وكسر لجدار الصمت السياسي بين دمشق وواشنطن.
وبين الحمود أن دمشق تسعى من خلال هذه الخطوة إلى كسر طوق العزلة الدولية الذي فُرض عليها لأكثر من عقد من الزمان، وتتمثل الرسالة الأساسية في تأكيد مكانة سوريا كـفاعل أساسي في معادلات الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية.
وحول البعد الداخلي للزيارة، نوه الباحث بأن الزيارة تحمل بعداً داخلياً بالغ الأهمية، حيث تأتي في ظل ضغوط اقتصادية خانقة وتدهور في المؤشرات المعيشية، وفي هذا السياق يمثل أي انفتاح خارجي حتى لو كان حذراً بصيص أمل للشارع السوري بإمكانية حدوث انفراج اقتصادي أو معيشي ولو جزئي.
الاعتراف السياسي
ويرى الباحث الحمود، أن مجرد الاستقبال الرسمي في واشنطن يعكس اعترافاً سياسياً ضمنياً بضرورة التعامل مع الدولة السورية كواقع لا يمكن تجاهله في مسار الحل السياسي، فهذه الرسائل الإقليمية والتقاطعات الحساسة “جس نبض سياسي” ، حيث تُراقب الأوساط الإقليمية والدولية عن كثب ما قد تحمله الزيارة من رسائل تتعلق بالملفات الإقليمية الحساسة.
وأشار الباحث إلى أن التساؤل المطروح هو: هل تفتح هذه اللقاءات الباب أمام تفاهمات أمنية تخص الجنوب السوري أو الجولان؟ أم أن الأمر لا يتعدى “جسّ النبض السياسي”؟، وتابع أنه حتى اللحظة لا توجد مؤشرات واضحة على تغيير في الموقف السوري الثابت حيال هذه الملفات، ومع ذلك فإنه مجرّد إدراج هذه القضايا في النقاش الدولي يشير إلى تحوّل في طريقة إدارة الملفات الحساسة من موقع يتسم بـ “مرونة وبراغماتية” أكبر.
ويمثل ملف العقوبات الأميركية أحد أبرز محاور الزيارة وأكثرها تعقيداً يقول الحمود: إذ ترى واشنطن في العقوبات وسيلة ضغط فعالة لتحقيق مكاسب سياسية تتعلق ب”الوجود الإيراني أو ملفات حقوق الانسان”، ومن جهة أخرى تراهن دمشق على أن الانفتاح المباشر قد يسمح بتخفيف تدريجي للحصار الاقتصادي أو بفتح استثناءات إنسانية تخفف العبء عن الاقتصاد السوري.
وأشار الباحث إلى أن الطرفين يتحركان ضمن “مساحة اختبار حذر” لا تصل إلى كسر القواعد، لكنها قد تمهّد لخطوات تفاهمية لاحقة إذا توافرت الظروف السياسية المناسبة.
وأكد أن براغماتية المرحلة الجديدة لعبة مصالح متبادلة، حيث أن عمق الزيارة ليست إعلاناً لتحالف جديد أو تبدلاً جذرياً في المواقف، بل هي محاولة لاستكشاف الممكن في ظل معادلات سياسية متحركة، وحول مصالحها، تريد واشنطن أن تعرف مدى استعداد سوريا للانفتاح والتعاون في الملفات الإقليمية، ودمشق تسعى إلى قياس جدية الأميركيين في إعادة النظر في سياستهم تجاهها.
وخلص الباحث إلى أن هذه الزيارة تحكمها “البراغماتية السياسية” ولعبة المصالح المتبادلة وليس العواطف أو الشعارات.
وقد تكون مؤشراً على أن الزمن السياسي في المنطقة بدأ يتغير بالفعل.
وكشف بأن الزيارة بداية حوار جديد عنوانه الانفتاح الحذر، سواء أفضت الزيارة إلى نتائج ملموسة فورية أم لا، فإن مجرد حدوثها يمثل “حدثاً سياسياً لافتاً” يعيد سوريا إلى واجهة الاهتمام الدولي.
واختتم الحمود بأن دمشق تضع قدمها مجدداً على الطاولة الدولية وواشنطن تفتح نافذة تواصل مع ملف طالما اعتُبر معقداً ومستعصياً، مشيراً إلى أنها قد لا تكون نقطة التحول الكبرى، لكنها بالتأكيد بداية حوار جديد عنوانه الانفتاح الحذر والتفاهم المشروط.