الثورة – فؤاد العجيلي :
أصبحت ملابس “البالة”، المستعملة الوافدة من الخارج، العنوان الأبرز لأسواق الألبسة في حلب، حيث تحولت من مشهد هامشي إلى مشهد غيّر معالم العديد من الأسواق الشعبية والتقليدية.
لم يعد مستغرباً أن ترى في أسواق المدينة، مثل ” أدونيس – باب جنان – العبارة – الجميلية ” طوابير من المواطنين يفتشون أكوام الملابس المستعملة باهتمام بالغ، فيما يحاول الباعة إقناعهم بجودة بضاعتهم التي استقدموها من دول أوروبية وعربية مجاورة.
يقول زهير الأحمد، بائع في سوق الملابس المستعملة: إقبال المواطنين على شراء ألبسة البالة، جعلني أتجه للعمل في هذا المجال، لأنه ” الأشغل” حالياً، وخاصة أن معظم الناس يتجهون إلى البالة كخيار وحيد.

أسعار مناسبة
في سوق ” باب جنين”، وبين أكوام الملابس المستعملة، كانت سيدة في الثلاثينيات من عمرها تبحث عن ملابس شتوية لأطفالها.
بينت أنها تفتش عن قطع بحالة جيدة وبأسعار مناسبة، فالملابس الجديدة أصبحت رفاهية لا تستطيع تحمل تكاليفها.
تأثيرات متعددة
لهذه الظاهرة تأثيرات متعددة، فبينما تساعد الأسر محدودة الدخل على تأمين حاجتها من الملابس بأسعار زهيدة، فإنها في المقابل تضر بالصناعة الوطنية وبائعي الملابس الجديدة الذين يشكون من انهيار مبيعاتهم. كما يبدي البعض تحفظات حول الجوانب الصحية لهذه الملابس، ومصدرها، وطريقة جمعها وتنظيفها قبل بيعها في الأسواق المحلية.
بدائل رخيصة
في تحليله للظاهرة، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحميد الحلبي أن غزو البالة لأسواق حلب، ليس ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة حتمية لاختلالات هيكلية عميقة في الاقتصاد السوري، تسببت فيها سنوات الحرب والحصار الاقتصادي.
ويوضح الحلبي في حديثه لـ” الثورة ” أن انتشار البالة يمثل مؤشراً خطيراً على مستويات عدة، إذ على المستوى الاجتماعي، تعكس الظاهرة تآكل الطبقة الوسطى وتحول شريحة كبيرة من المجتمع إلى شرائح فقيرة، ما يدفعها للبحث عن بدائل رخيصة لتأمين مستلزمات الحياة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تشكل البالة ضربة قاصمة للصناعة الوطنية، وخاصة قطاع النسيج الذي كانت حلب رائدته، حيث تعجز المنتجات المحلية عن منافسة أسعار البالة، ما يزيد من إغلاق المعامل وارتفاع البطالة.
أما على المستوى الصحي، فتفتقر هذه الملابس إلى الرقابة الصحية الجادة، ما قد يشكل خطراً على صحة المستهلكين.
ويرى الحلبي أن الخطير في الأمر أن هذه الظاهرة تساهم في تكريس الاقتصاد الاتكالي على حساب الاقتصاد المنتج، كما أنها تعمق اعتمادنا على الخارج حتى في تلبية أبسط احتياجاتنا.
واختتم حديثه بأن معالجة هذه الظاهرة لا تكون بمنعها، بل بمعالجة أسبابها الجذرية المتمثلة في تحسين القدرة الشرائية للمواطن، ودعم الصناعة الوطنية، وإيجاد حلول جذرية للأزمة الاقتصادية التي نمر بها.