الثورة:
كشفت كارلا كوينتانا، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة الهيئة المستقلة للتحقيق في قضايا الأشخاص المفقودين في سوريا (IIMP)، أن لدى الهيئة معلومات موثوقة وقابلة للتحقق تفيد بأن عدداً من المفقودين في سوريا ما زالوا على قيد الحياة، مشيرة إلى أن سقوط نظام الأسد أتاح للمحققين الدوليين البدء بالعمل الميداني داخل الأراضي السورية للمرة الأولى.
وفي حديثها لوكالة الأناضول على هامش منتدى TRT World 2025 في إسطنبول، قالت كوينتانا إن الهيئة أنشئت قبل عامين بجهود حثيثة من عائلات المفقودين السوريين الذين تمكنوا من إقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة إنشاء كيان مستقل للبحث عن أحبائهم.
وأضافت: “قبل عشرة أشهر فقط، لم نكن نتصور أن نصل إلى سوريا، أما اليوم فأصبح بإمكاننا دخول البلاد والبدء بعمليات البحث والتحقيق ميدانياً”.
وأكدت كوينتانا أن الهيئة تمتلك أدلة واضحة وبيانات دقيقة حول وجود أشخاص مفقودين ما زالوا على قيد الحياة، موضحة أن المعلومات التي جُمعت قابلة للتحقق وتستند إلى شهادات مباشرة وتقارير ميدانية وملفات وراثية.
وقالت: “لدينا مؤشرات قوية على أن بعض النساء والأطفال المفقودين قد يكونون ضحايا للاستعباد الجنسي أو الاتجار بالبشر، وما زالوا محتجزين في أماكن مجهولة”.
وأضافت أن الهيئة تعمل وفق أربعة محاور رئيسية تشمل: ضحايا النظام البائد، والأطفال المفقودين، والمهاجرين، والمختفين على يد تنظيم داعش، مشددة على أن “هذه ليست مهمة هيئة واحدة، بل مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الجميع: مؤسسات وطنية، ومنظمات مدنية، ووكالات الأمم المتحدة، وأسر الضحايا”.
وأوضحت كوينتانا أنها التقت خلال زيارتها إلى دمشق وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني، مؤكدة أنها على تواصل دائم مع رئيس اللجنة الوطنية للبحث عن المفقودين التي أسسها الرئيس السوري أحمد الشرع.
وأشارت إلى أن التعاون مع الحكومة السورية “ليس مهمة سهلة، لكنه ضروري”، مضيفة أن هذه التجربة “تُعد الأولى من نوعها في العالم التي تعمل فيها هيئة وطنية وهيئة أممية جنباً إلى جنب للبحث عن المفقودين”.
وبيّنت أن الهيئة تضم نحو أربعين خبيراً في القانون الدولي والطب الشرعي وعلوم البيانات، وتعمل حالياً على إطلاق مشاريع عملية لتحديد مواقع المقابر الجماعية وتوثيقها ومتابعة حالات الأشخاص الذين يُحتمل بقاؤهم على قيد الحياة.
وشددت كوينتانا على أن نجاح هذه المهمة يعتمد على تسخير العلوم الجنائية والتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل الحمض النووي، موضحة أن الهيئة “تسعى لتوحيد البيانات المبعثرة وتطوير قاعدة معلومات وطنية شاملة بالتعاون مع السلطات السورية والمنظمات الدولية”.
وقالت: “نحتاج إلى العلم ليس فقط للتعرف على الموتى، بل لتحديد هوية الأطفال والأحياء أيضاً، فالعلوم الجنائية أصبحت وسيلة للعدالة وليس مجرد أداة للتحقيق”.
وتحدثت كوينتانا عن المقابر الجماعية المكتشفة في مختلف المحافظات السورية، مشيرة إلى أن التعامل معها يتطلب منهجاً علمياً دقيقاً وإشرافاً وطنياً، وقالت: “فتح المقابر دون تخطيط قد يؤدي إلى ضياع الأدلة، لذلك يجب أن تكون العملية بقيادة سورية مع دعم دولي فني ولوجستي”.
وأضافت: “سيأتي الوقت الذي يتخذ فيه السوريون القرار النهائي بشأن كيفية فتح المقابر وتحديد الهويات، ونحن مستعدون لتقاسم خبراتنا من تجارب دولية مثل البوسنة وسيربرينيتشا”.
وحذرت كوينتانا من أن التأخير في عمليات البحث يهدد بفقدان المزيد من الأدلة، قائلة: “لقد تأخرنا كثيراً، ليس في سوريا فحسب بل في العالم كله.
الوقت ليس في صالحنا، فكل يوم يمرّ يقلل من فرص العثور على المفقودين أحياء”.
وأضافت أن الهيئة تسعى لبناء ثقة حقيقية مع عائلات الضحايا، مؤكدة أن “الثقة هي المفتاح، فهي التي تفتح أبواب الحقيقة وتمنحنا القدرة على المضي قدماً”.
وختمت بالقول: “إننا نعرف أن العائلات تطالب بالحق في معرفة الحقيقة فوراً، وهذا حقهم، لكننا نؤمن أيضاً بأن العدالة تحتاج إلى الصبر والمنهجية.
هدفنا ألا يبقى أي مفقود مجهول المصير، وأن يعرف كل سوري أين أحباؤه، أحياءً كانوا أم شهداء”.