الثورة – منهل إبراهيم:
شهدت مناطق جنوب سوريا خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم أعلى مستوى من التصعيد الإسرائيلي منذ عدة أشهر، حيث نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 40 عملية توغل داخل محافظتي القنيطرة ودرعا، في خرق واضح للسيادة السورية، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي والطائرات المسيرة واستنفار مستمر على طول الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل.
وشملت الاعتداءات الإسرائيلية دخول القرى والبلدات السورية، ونصب الحواجز المؤقتة، وتنفيذ عمليات تفتيش ومداهمات للمنازل، وتجريف الأراضي الزراعية، وفتح طرق جديدة وزرع ألغام، في إطار ما وصفته منظمات حقوقية بمساع إسرائيلية لفرض واقع أمني وعسكري جديد ضمن ما يعرف بـ مشروع “صوفا 53” الممتد من أم العظام والقحطانية حتى منحدرات جبل الشيخ، وخلال هذه التوغلات، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية العديد من الأشخاص بينهم طالب جامعي أُفرج عنه لاحقاً.
ففي الأول من تشرين الأول الماضي، توغلت دوريات إسرائيلية قرب قرية صيدا بريف درعا الشمالي، ونصبت حاجزاً مؤقتاً مع تحليق طائرات استطلاع، وفي الثالث منه، حدثت عمليات توغل وتفتيش في عين زيوان، كودنة، المعلقة، دون تسجيل اعتقالات.
وفي 6 الشهر اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة شبان في قرية جملة بحوض اليرموك، ونصبت حواجز في عين البيضة وسويسة، أما في 7 تشرين الأول فقد أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذائف سقطت على محيط قرية عابدين، وسط اعتقالات جديدة في صيدا الحانوت، مع استمرار عمليات التفتيش والتوغلات.
ومن تاريخ 14 إلى 20 تشرين الأول توسعت التحركات الإسرائيلية والتوغلات لتشمل أوفانيا، الحميدية، جباتا الخشب، ورافقها تجريف للأراضي، وتدريبات عسكرية مكثفة، وإطلاق قنابل مضيئة في عدة مناطق.
ومن 22 إلى 25 من الشهر نفسه، شهدت القنيطرة أعنف التحركات ضمن مشروع “صوفا 53″، حيث نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلية عمليات حفر وإنشاء طرق جديدة قرب بئر عجم والحميدية، بالإضافة إلى توغلات بالدبابات والآليات العسكرية في الصمدانية، طرنجة، خان أرنبة، والرفيد.
وفي التاريخ الممتد من 26 إلى 30 تشرين الأول، استمرت التوغلات والاعتداءات الإسرائيلية في صيدا الحانوت، بريقة، معرية، جباتا الخشب، مع زرع ألغام جديدة حول القواعد العسكرية الإسرائيلية وإنشاء ممرات عسكرية محصنة داخل الأراضي السورية.
وفي31 تشرين الأول قام الاحتلال بقصف مدفعي من قاعدة تل أحمر الغربي قرب بلدة كودنة باتجاه الأحراش في تل أحمر الشرقي، دون تسجيل خسائر بشرية.
وفي شهر تشرين الثاني الحالي، استمرت التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة ترافقها سلوكيات وانتهاكات طالت المدنيين السوريين العزل، وزرعت الخوف من استمرارها في سياق ذرائع واتهامات باطلة تهدد حياتهم اليومية وتؤثر على مصادر رزقهم، وتحركاتهم الطبيعية في مناطقهم.
وتواصل القوات الإسرائيلية توسيع نطاق توغلاتها التي وصفت بالهستيرية داخل الأراضي السورية، وفقاً لتحليل أجراه فريق شبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” لتقصّي الحقائق باستخدام صور الأقمار الاصطناعية ومقاطع الفيديو الميدانية.
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية استمرار أعمال الإنشاء في طريق يسمى بـ”صوفا 53″، الذي يخترق منطقة الفصل منزوعة السلاح جنوب سوريا، والذي بدأ العمل عليه عام 2022.
وقد تم إنشاء الطريق كساتر ترابي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وبعرض مماثل، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويمتد بين مواقع عسكرية إسرائيلية شرق خط برافو، الذي حددته اتفاقية فض الاشتباك الموقّعة عام 1974 بين سوريا و”إسرائيل”،
وقدّرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان طول صوفا 53 بسبعين كيلومتراً.
وبحسب تصريحات الاحتلال، يأتي مشروع “صوفا 53” كجزء من استراتيجية إسرائيلية لتوسيع نطاق السيطرة الأمنية والعسكرية على طول المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل.
ويتضمن المشروع إنشاء ممر عسكري محصن وشبكة طرق داخل الأراضي السورية، يمتد من أم العظام والقحطانية والحميدية وجباتا الخشب وصولاً إلى بلدة حضر ومنحدرات جبل الشيخ.
وشجباً لسلوكيات “إسرائيل” العدوانية، أكدت دول عربية وغربية ومنظمات دولية، وأخرى تعنى بحقوق الإنسان، أن هذه التوغلات والاعتقالات المتكررة تمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، داعية المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى الضغط على “إسرائيل” لوقف التصعيد العسكري في جنوب سوريا، وحماية المدنيين في محافظتي القنيطرة ودرعا، والكشف عن مصير المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في المنطقة العازلة.