التلوّث البيئي في سوريا… الكارثة الصامتة وسط ركام الحرب

الثورة – إيمان زرزور :

لم تكن الحرب في سوريا مجرد نزاع دموي أودى بحياة الآلاف وهدم المدن، بل تركت وراءها كارثة بيئية صامتة، امتدت آثارها إلى الهواء والماء والتربة، لتشكّل تهديداً طويل الأمد على صحة الإنسان والنظام البيئي برمّته.

وبينما انشغل الخطاب العام بمشاهد الدمار والمعارك، ظلّ التلوث أحد أكثر وجوه الحرب إهمالاً وإيذاءً.

شهدت مدن سورية عديدة ارتفاعاً حاداً في نسب تلوث الهواء، بسبب الاستخدام الواسع للوقود المنخفض الجودة وتشغيل المولدات الكهربائية بلا ضوابط، إضافة إلى الحرائق المتكررة في مكبّات النفايات العشوائية.

كما أسهمت الهجمات على المنشآت الصناعية ومستودعات الوقود في إطلاق غازات سامة، من أبرزها أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، لتتحوّل المناطق السكنية إلى بيئات ملوثة خطرة على الصحة العامة.

لم تسلم الموارد المائية من التلوث، حيث تعاني الأنهار السورية، كالعاصي والفرات، من تدفق مستمر لمياه الصرف الصحي غير المعالجة والمخلّفات الصناعية والتسرّبات النفطية.

وتفاقم الوضع في مناطق النزوح، حيث تعتمد آلاف العائلات على آبار سطحية ملوثة، ما أدى إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد، وتهديد مباشر للصحة العامة.

تلوث التربة ارتبط بشكل وثيق بالنفايات الطبية والعسكرية، والانبعاثات الكيميائية من المصانع المتضررة، فضلاً عن الاستخدام العشوائي للمبيدات والأسمدة الزراعية.

ونتيجة لذلك، تراجعت جودة المنتجات الزراعية، وارتفعت نسب المعادن الثقيلة في المحاصيل، ما يشكّل تهديداً خطيراً لصحة المستهلكين والأمن الغذائي على المدى البعيد.

منذ عام 2011، تفاقمت أزمة التلوث البيئي بفعل مجموعة من العوامل منها انهيار البنية التحتية للصرف الصحي وإيقاف مشاريع معالجة المياه، وغياب شبه كامل للرقابة البيئية نتيجة تعدد القوى المسيطرة وانهيار سلطة الدولة، والاعتماد على بدائل شديدة الخطورة في التدفئة، كحرق الزيوت والبلاستيك، علاوة عن الاكتظاظ السكاني داخل المخيمات وتراكم النفايات من دون إدارة.

تجلّت آثار التلوث بشكل مباشر في صحة السكان، حيث ازداد انتشار الأمراض التنفسية المزمنة، إلى جانب أمراض منقولة بالمياه كالكوليرا والتهاب الكبد.

كما سُجّلت حالات تسمّم كيميائي في بعض المناطق الصناعية الملوّثة.

في المقابل، يواجه النظام البيئي تهديدات عميقة، من بينها تدهور التنوع البيولوجي واختفاء كائنات حية نادرة، وتلوّث السلسلة الغذائية بسبب تراكم المعادن الثقيلة، وتراجع خصوبة التربة وموت الكائنات الدقيقة الضرورية لتوازنها.

لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، تبرز ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة واستراتيجية، أبرزها “إنشاء هيئة وطنية مستقلة للرقابة البيئية، تعمل بشفافية وبصلاحيات تنفيذية واسعة، وإعادة تأهيل شبكات الصرف ومحطات المعالجة، خاصة في المدن والمخيمات، وإدماج مفاهيم البيئة ضمن المناهج التعليمية لبناء وعي بيئي لدى الأجيال القادمة، وفرض رقابة صارمة على المصانع، خاصة في المناطق الأكثر استقراراً، ودعم عمل المنظمات البيئية المحلية وتسهيل وصولها إلى المناطق المتضررة.

لقد أصبحت البيئة السورية ضحية منسية لحربٍ لم تترك مجالاً للحياة، وكل يوم يمضي من دون تدخل فعلي يراكم الخطر ويضاعف كلفة التعافي مستقبلاً.

إن إنقاذ سوريا لا يُختزل بإعادة بناء الجدران، بل يبدأ بإعادة الاعتبار للهواء والماء والتربة، فحين تُدمّر البيئة، يُدمّر معها الإنسان ومستقبله، فالبيئة ليست هامشاً في المشهد السوري… بل هي جوهره الكامل.

آخر الأخبار
دمج سوريا في المجتمع الدولي مسؤولية جماعية واستحقاق استراتيجي    Media line  زيارة الشيباني إلى موسكو.. اختبار لنوايا روسيا أم إعادة صياغة لتحالف قديم الغاز الأذربيجاني إلى سوريا.. خبيرة تنموية لـ"الثورة": تأثيرات اقتصادية على المدى المتوسط    د.يحيى السيد عمر لـ"الثورة": الطريق طويل لشراكة اقتصادية مع روسيا استخدمه بحذر... ChatGPT ليس سريا كما تظن  تركيب محولة كهرباء جديدة في كفير الزيت بوادي بردى بين الحقيقة والتزييف..الأمن العام السوري صمّام أمان الدولة الهوية لا تعرف الحدود... والدولة ترسّخها بالرعاية والمسؤولية  أهالٍ من نوى يؤكدون على الوحدة الوطنية ودعم الجيش والقيادة من مظاهرات الثورة السورية في باريس.. الدكتورة هنادي قوقو "الثائرة الرقيقة" الدفاع المدني يحمّل فصائل السويداء مسؤولية اختطاف حمزة العمارين: العمل الإنساني ليس هدفاً مشاعاً مظلوم عبدي: اتفاقنا مع دمشق خطوة محورية نحو الاستقرار وبناء جيش وطني جامع  " الخارجية " تُعلن عن زيارة وفد تقني إلى السودان لبحث أوضاع الجالية السورية " الخارجية" تطلق خدمات قنصلية مؤقتة للجالية في ليبيا بانتظار افتتاح السفارة الرسمية منظمات حقوقية تحذر: خطة لبنان لإعادة اللاجئين السوريين تُهدد بترحيل قسري جماعي  مبادرة الغاز الأذربيجاني إلى سوريا تحظى بإشادة أميركية وتأكيد قطري على دعم الاستقرار الخطوط الجوية التركية تعود إلى أجواء حلب بعد 13 عاماً من الانقطاع "غرف الزراعة":  آلية جديدة لتحديد أسعار الفروج الحي من الدواجن الوزير الشيباني: الجاليات السورية ركيزة لتعافي البلاد وتعزيز حضورها الخارجي تحسين واقع الشبكة الكهربائية في القنيطرة