الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
على الرغم من جهود رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لتكثيف جهودها في تعزيزعلاقاتها الدولية، ولاسيما مع دول البريكس، ومجلس التعاون الخليجي، وأجزاء أخرى من الجنوب العالمي، سعياً منها لإحياء دورها في تحقيق الاستقراروالسلام العالمي، وزيادة اعتمادها على الصين، إلا أن هذه الرؤية تظل مدفوعةً بجهلها بالحقائق الحالية والمستقبلية، ولا يزال مستقبل تكافؤ القوة يكمن في الولايات المتحدة.
ومن دون امتلاكها للقوة والقدرة على الدفاع عن نفسها، تظل رابطة (آسيان) تعتمد على المظلة الأمنية الأميركية، وطالما بقيت هذه الحقيقة، لا يمكن لـ(آسيان) أبداً أن تخفي الرغبة في أن تكون مركزية وغير منحازة، وأن تحصل على أفضل ما في العالمين.
وتشعررابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الآن بضعف شديد أمام الصدمات المفاجئة نتيجة عقود من الاعتماد المريح على واشنطن، وتدرك الرابطة أن الصين لا يمكن أن تملأ هذا الفراغ فوراً، على الرغم من أن بكين تُعتبر البديل الاقتصادي الفعلي والمورد الرئيس لرأس المال والموارد للمنطقة.
مع إدراك هذه الحقيقة، وفي الوقت نفسه، مع حرصها الشديد على عدم إثارة غضب واشنطن وترامب، فإن نبرة آسيان هادئة ومدروسة.
لقد شكّل الواقع الجغرافي للصين، كونها أقوى جار لـ(آسيان)، العامل الأكثر إلحاحاً في إجبارالرابطة على الحفاظ على نموذجها الاستراتيجي للحياد، مع الخوف من عواقب بعيدة المدى لردود فعل بكين الانتقامية التي ستؤثرعلى أمن المنطقة وبقائها الاقتصادي.
ومن ثم، لم يعد هذا النموذج القديم صالحاً، ومع مواجهة الصين الآن لفخ زمني يتعلق بنسبية قوتها، فإن هذا سيزيد من تعريض (آسيان) للتأثيرالمباشر وغيرالمباشر من احتمالية نشوب صراعات.
تردد في تبني موقف قوي
لعقود من الزمن، كانت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مترددة في تبني موقف قوي جديد ضد بكين خوفاً من العواقب الاقتصادية والانتقامية التي ستؤدي إلى انهيار اقتصادي لأعضائها، ولكن في الاتجاهات والحسابات الاقتصادية المستقبلية، لن توفر الصين هذا الملاذ الاقتصادي الآمن لـ(آسيان) بسبب تدهورها الاقتصادي، ولن يكون هذا التمسك الاقتصادي العامل النهائي لـ(آسيان) لمواصلة هذا الخوف من إزعاج بكين لحماية المصالح الاقتصادية والبقاء.
بحلول عام 2050، من بين القوى الثلاث بكين وواشنطن ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، تبقى واشنطن وحدها الرابح الأبرز من حيث امتلاكها قدرة ديموغرافية شابة على كلّ من القوى العاملة والابتكار والجيش، وفي الحفاظ على الهيمنة التكنولوجية والتفوق الاقتصادي.
تتقدم الصين بشكل أسرع، بينما تصل الإمكانات الديموغرافية والقوة الشرائية مجتمعة لـ(آسيان) إلى مرحلة الركود بحلول عام 2050.
كيان اقتصادي جماعي
ككيان اقتصادي جماعي، لا يتوقع لها عروض أو أساسيات اقتصادية قوية حتى في التوقعات القادمة حتى عام 2050، يبلغ متوسط دخل الفرد في (آسيان) بحسب تقرير اقتصادي آسيوي منشور في موقع “أوراسيا ريفيو” نحو 5300 دولارأميركي، ومع ناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 4 تريليونات دولار أميركي، فإنه لا يزال ضئيلاً مقارنةً بكلّ من الصين والولايات المتحدة، ويساوي تقريباً الكمية نفسها التي تستوردها الولايات المتحدة سنوياً.
من الناحية الديموغرافية، على الرغم من العدد السكاني الكبير الناشئ الذي يبلغ نحو 650 مليون نسمة، فإن القوى العاملة المستقبلية في (آسيان) والفئات الديموغرافية الشابة ستتباطأ أيضاً بالتوازي مع استمرار شيخوخة المنطقة.
هذا ولا تزال المنطقة عالقة في فخ الدخل المتوسط، وسيُجبرها انقسامها الداخلي، اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً، على الاعتماد على مصادر خارجية للاستثمارات والتكنولوجيا والاحتياجات الأمنية.
وينطبق الأمر نفسه على الصين، فمع ارتفاع معدل الادخار واعتمادها المستمرعلى الصادرات الخارجية وانخفاض الاستهلاك الداخلي، ستعتمد كلّ من بكين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) على الولايات المتحدة كلاعب اقتصادي رئيسي خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة.
ولن تضاهي دول البريكس والجنوب العالمي والبدائل الأخرى حجم الاقتصاد الأمريكي وقدرته وابتكاره ونطاقه وبنيته المالية العالمية.
ختاماً.. حتى مع الحياد الصارم، من شبه المؤكد أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ستُجر إلى صراعات جديدة، وفي غياب أي حل أو بدائل احتياطية بحلول ذلك الوقت، ستكون أهدافاً سهلة لمزيد من التأثير العسكري، حتى الدول الأعضاء ستُخالف صف رابطة (آسيان) لحماية بقائها، مدركةً أن الرابطة لا توفر مظلة أمان بحلول ذلك الوقت.