الثورة_ راغب العطيه:
تنذر الضربات الاسرائيلية المنسقة، التي نفذها الطيران الاسرائيلي فجر اليوم الجمعة ضد أهداف حيوية واستراتيجية إيرانية في عدة مناطق من البلاد، بتداعيات خطيرة على المنطقة والعالم، وقد تقود إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني أصلا من صراعات مزمنة.
وأكدت أستاذة العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي الفلسطينية الدكتورة تمارا حداد، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت عدة أهداف إيرانية؛ أهمها اغتيال قيادات الصف الأول من هيئة الأركان والحرس الثوري وعدد من العلماء الإيرانيين وضرب مواقع التخصيب النووي مثل موقع “نطنز”، تشكل تهديدا صريحا ومباشرا للسلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وتعد تصعيدًا خطيرًا في التوترات الإقليمية في منطقة تعاني أصلاً من أزمات مزمنة وصراعات متشابكة، مشيرة الى أن المنطقة تعيش على صفيح ساخن وغير مستعدة لأي تطور، تحديدا بعد أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين المحتلة وبقاء المشهد السياسي والأمني دون أي تهدئة، لا في غزة ولا في جنوب لبنان ولا اليمن.
وقالت حداد: ان إسرائيل تسعى لإشعال المنطقة بتصرفها غير المسؤول بضرب إيران، خاصة بعد انتهاء مهلة الستين يوما التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران لمحاولة التوصل لاتفاق نووي يتلاءم مع الشروط الأمريكية الإسرائيلية، وهو ما لم يحدث.
وأشارت إلى أنه من منظور القانون الدولي؛ فإن أي هجوم خارج الحدود ما لم يكن دفاعًا مشروعًا عن النفس، يُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة الدول ويُهدد بفتح أبواب مواجهة أوسع قد تمتد إلى دول أخرى في الإقليم، لافتة إلى أن إسرائيل تبرر ضرباتها الموجهة نحو أهداف داخل إيران سواء كانت عسكرية أو مرتبطة بالبرنامج النووي بأنها لردع “التهديد الإيراني” و”الوقاية من التسلح النووي”، إلا أن هذه التبريرات لا تلقى قبولاً دوليًا واسعًا، خاصة في ظل غياب التفويض الأممي أو التنسيق الدولي الحقيقي.
وشددت الدكتورة تمارا حداد إلى أن الهجمات الإسرائيلية على إيران تلعب دورًا سلبيًا متزايدًا في زعزعة الاستقرار، وتُظهر عجز النظام الدولي عن كبح جماح الانتهاكات أحادية الجانب، مما يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى في منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم حساسية جيوسياسيا.
وتأتي الضربة الإسرائيلية في وقت كان من المقرر فيه أن يعقد المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون جولة سادسة من المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني في العاصمة العمانية مسقط يوم الأحد القادم، لكن المحادثات يبدو أنها دخلت طريقاً مسدوداً.
وفي تصريحات مماثلة أكد الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عمرو حسين، ان التطورات الأخيرة المتمثلة في الضربات العسكرية التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف داخل إيران، تمثل تصعيدًا خطيرًا، من شأنه أن يهدد الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، بل وينذر بانعكاسات سلبية تتجاوز الحدود الجغرافية للصراع، وقال : “لقد أثبتت تجارب العقود الماضية في المنطقة أن الحلول العسكرية لا تجلب سوى مزيد من الدمار والمعاناة، ولا تنتج حلولًا مستدامة، بل تعمّق الأزمات وتخلق أزمات جديدة أكثر تعقيدًا.
وبحسب حسن، فإنه مهما كانت المبررات الأمنية والسياسية التي تسوقها اسرائيل لتبرير هجومها الواسع على ايران، إلا ان هذه الضربات تؤكد من جديد إخفاق الأطراف المعنية في احتواء التوترات عبر المسارات الدبلوماسية والحوارات البنّاءة، وتكرس في الوقت نفسه منطق القوة على حساب الشرعية الدولية وحق الشعوب في الاستقرار والتنمية.
وأشار حسين إلى أن المنطقة اليوم لا تحتمل مزيدًا من التصعيد العسكري، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية الحادة، وتداعيات النزاعات القائمة في بؤر متعددة، فضلًا عن التحديات المرتبطة بأسواق الطاقة العالمية والتي تتأثر مباشرةً بأي اضطرابات أمنية في الشرق الأوسط؛ وهو ما يحمّل المجتمع الدولي مسؤولية مضاعفة للعمل على وقف هذا النهج التصادمي، وتهيئة بيئة مناسبة للحوار وإيجاد تسويات سياسية عادلة لكل القضايا العالقة، لافتا إلى أن غاية إسرائيل هي إشعال فوضى شرق أوسطية بما يؤدي إلى انزلاق المنطقة نحو موجة جديدة من عدم الاستقرار.
وقالت الخبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة وحدة الرصد والمتابعة في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية الدكتورة شيماء المرسي: إن إيران تشهد اختراقًا أمنيًا غير مسبوق، بعد العدوان الإسرائيلي الصارخ على منشآتها النووية واغتيال عدد من قيادات الجيش والحرس الثوري، إلى جانب علماء نوويين وأساتذة في الكليات التقنية، بحسب ما نقلت عنها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية.
وأشارت الى ان طهران تعرضت لخداع أمريكي، تمثل في جولات المفاوضات غير المباشرة، والتي منحت طهران ضمانات بعدم تنفيذ إسرائيل أي ضربات عسكرية على منشآتها النووية، مؤكدة أن الضربات الإسرائيلية على أهداف داخل إيران تمثل تحولًا خطيرًا في طبيعة الاشتباك الإقليمي، وتُهدد بتقويض ما تبقى من التوازن الهش في منطقة الشرق الأوسط.
ولفتت المرسي إلى أن هذا التصعيد يُنذر بإعادة خلط الأوراق في المنطقة، ما قد يؤدي إلى انفجار شامل يهدد السلم الإقليمي.. وهنا تبدو الحاجة ملحة اليوم لتحرك دبلوماسي حقيقي يضع حدًا لهذا المنحى التصعيدي، ويعيد إحياء قنوات الحوار، قبل أن تتوسع دائرة المواجهة لتشمل أطرافًا دولية وتتحول إلى نزاع مفتوح.
ورجحت الخبيرة في الشؤون الإيرانية أن تتجه إيران إلى رد عسكري قوي وغير تقليدي ضد إسرائيل، قد يتجاوز استهداف المواقع العسكرية إلى ضرب المنشآت النووية الإسرائيلية.
وبعد شن هجمات واسعة النطاق على إيران، كانت السلطات الاسرائيلية أعلنت حالة طوارئ، خاصة في ما يسمى “الجبهة الداخلية” في جميع أنحاء إسرائيل، داعية الاسرائيليين إلى الالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية والبقاء في المناطق المحمية، تحسباً لأي تطورات أمنية مفاجئة.