السويداء – هند العرموني:
يُعدّ قطاع المياه من أبرز التحديات التي تواجه محافظة السويداء، لما له من تأثير مباشر على حياة السكان اليومية، وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية.
فعلى الرغم من غنى المحافظة نسبيّاً بالمصادر الجوفية، شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في وفرة المياه، نتيجة جملة من العوامل، أبرزها التغيرات المناخية، وتزايد الطلب السكاني، إضافة إلى مشكلات البنية التحتية وسوء الإدارة.
هذا العام، تفاقمت الأزمة مع خروج معظم السدود عن الخدمة، مثل سد الروم، وسد جبل العرب، وسد حبران، بسبب شحّ الأمطار خلال فصل الشتاء، وهو ما انعكس سلباً على الاعتماد السابق على هذه السدود، بالتوازي مع توقف عدد كبير من الآبار الارتوازية عن العمل.
وفي تصريح لصحيفة “الثورة”، قال مدير مؤسسة المياه في السويداء، مثنى أبو عساف:
“تعتمد المحافظة حالياً على الآبار الارتوازية، حيث يعمل منها 100 بئر من أصل 293، بينها 20 بئراً خارج الخدمة مؤقتاً، ليبقى 80 بئراً فقط قيد التشغيل على مستوى المحافظة، هذا يعني أن الوارد المائي محدود جداً، ما أدى إلى تأخر في ضخ المياه وتوزيعها”.
وأشار إلى أنّ الأعطال المتكرّرة في الكهرباء، والتي تسبّبت بانقطاع تام للتيّار في المحافظة لمدة يومين أو ثلاثة في كل مرّة، فاقمت من المشكلة، وأثّرت بشكل مباشر على برنامج التوزيع.
وأضاف أبو عساف:
“الوضع الحالي للتوزيع مقبول نوعاً ما، لكنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ونأمل أن يشهد تحسّناً تدريجياً خلال الفترة القادمة”.
ويُقدّر العجز اليومي في كمّيّات المياه بنحو 40 ألف متر مكعّب، مقابل حاجة يوميّة تُقدّر بحوالي 100 ألف متر مكعّب، ما يدفع السكان للاعتماد على صهاريج المياه، التي يتراوح سعر الواحد منها (بسعة 25 برميلًا) بين 150 إلى 180 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 450 إلى 540 ألف ليرة شهرياً للأسرة الواحدة.
من جانب آخر، ساهمت بعض المنظمات الدوليّة، مثل “اليونيسيف” و”الصليب الأحمر”، في التخفيف من الأزمة، عبر دعم مشاريع حفر وصيانة الآبار.
وحول ذلك، قال أبو عساف:
“تلقّت المؤسسة دعماً بثلاثة آبار: بئر القلعة (R3) الذي دخل الخدمة قبل نحو 15 يوماً، وآخر على طريق الرحى، بالتعاون مع الصليب الأحمر، إضافة إلى بئر منطقة العمّاليّة”.
كما ساعد الصليب الأحمر في نقل كابلات بطول 2000 متر إلى دمشق لصيانتها، لكن عودتها تعثّرت.
يقول أبو عساف:
“تم توقيف الشاحنة التي تقلّ الكابلات عند حاجز المسمية، وبعد الإفراج عن السائق والشاحنة، نُقلت الكابلات إلى منطقة الشرايع، ولا تزال هناك حتى الآن دون معرفة الأسباب، ما يعرقل صيانة الغواطس في الآبار المتوقّفة”.
وأشار أبو عساف إلى أن مؤسّسة المياه تعاني حالياً من عجز كبير في ميزانيّة الصيانة وشراء التجهيزات، مضيفاً أنّ المجتمع المحلي يضطلع بدور كبير في المساهمة، وخاصّة في المناطق الريفيّة، حيث يغطّي نحو 75% من تكاليف إصلاح الغواطس وتجهيزات الآبار، على عكس الوضع في المدينة، الذي وصفه بالأصعب، نظراً لقلّة مساهمات المجتمع هناك.
أمّا على مستوى الحلول، فتعمل الوزارة بالتعاون مع المنظمات الدولية على تنفيذ مشاريع حيويّة، من بينها تشغيل محطّة مياه “الصحارى” في مدينة شهبا باستخدام الطاقة الشمسية، وإعادة تأهيل ثلاثة آبار في قرية خازمة في الريف الجنوبي للمحافظة، وآخر في قرية الرشيدة في الريف الشرقي، وتجهيز سبعة آبار إضافيّة في مناطق متفرقة، وإصلاح بئر قرية خَرَبة بالطاقة الشمسية، وتوريد عشر مضخّات ومحرّكات غاطسة، وأيضاً تزويد صهاريج بمولّدات وبطاريّات، بتكلفة تُقدّر بنحو 12 مليار ليرة سورية.
كما كشف أبو عساف عن خطّة المؤسّسة الحاليّة لإجراء عدّة إصلاحات، تشمل صيانة خزّان قلعة صلخد، وتأهيل شبكة آبار كفر اللحف وحرّان، ودراسة واقع السدود وإمكانيّة إصلاحها وإعادة تفعيلها، ورفع مخصّصات الكهرباء ليلاً لتشغيل المضخّات الغاطسة، وتركيب محوّلات ومنظمات كهربائيّة لحماية التجهيزات، بالإضافة إلى تزويد محطّات الطاقة الشمسيّة لنقاط تسجيل مدني، بما يسهم في تعزيز الاعتماد على الطاقات المتجدّدة.
وبين التحديات الراهنة والوعود المستقبلية، يبقى ملف المياه من أكثر الملفات إلحاحاً في محافظة السويداء، ويستدعي معالجة جذريّة، وتخطيطاً مستداماً لضمان استمرار هذا المورد الحيوي في ظل الظروف المتغيّرة..