الثورة – فؤاد مسعد:
هي حالة أشبه بالعبث، حين تصل به الأمورللتفتيش عن مكان يُدفن فيه كي يبقى له أثرأخير، عوضاً من أن يفتش عن مأوى له في حياته، إنها قسوة موجعة تُدخلنا قسراً للبحث في جدلية الموت والحياة بكلّ ما فيها من ألم، حيث بات الموت عبئاً وعملية الدفن ترفاً صعب المنال، والأنكى حين يُعرض عليه دفن من مات بمساحة صغيرة لا تكفي ويأتيه الجواب بفظاظة صادمة: في حال لم يعجبك العرض فارم الجثة للكلاب!.. يثيرها الفيلم التسجيلي “إلى أيّ ترابٍ أعود؟”.
للمخرجة اللبنانية غنا عبود هذه الجدلية، متناولاً حياة عائلة سورية تعاني ما تعانيه من حالة التهجير في لبنان، ويحاول الأب فيها البحث عن مدفن لأمواته، ليجابه بتابوهات تجعل من الأمرمستحيلاً أمام سوري لاجئ يرزح تحت وطأة تداعيات اللجوء المجحفة، في الوقت الذي يعمل فيه أبنائه بأبخس الأجور.
الفيلم الذي أنتجته الجزيرة عام 2024، استضاف عرضه “بيت ألبيرتو اليسوعي” في جرمانا، بحضورمخرجته التي حاورت الحضورمحاولة الإجابة عن أسئلتهم المُحمّلة بالكثير من الغنى والعمق، وفي سؤال لصحيفة “الثورة” عن السيناريو أشارت إلى أنه كان هناك تحضير للمشاهد ومن ثم حالة من الارتجال بعيداً عن فكرة السيناريوالمرسوم مسبقاً.
في عمق الألم ومحاولة البحث عن “مدفن” في أكثر من مكان واللجوء إلى أكثر من جهة دون جدوى، تبرز قمة “العبث” من خلال المفارقة بين جيلين في مشهد “حوارالأب مع أولاده”، الجيل الباحث عن موت آمن وجيل آخر يتطلع إلى المستقبل وإن لم يمتلك مفاتيحه.
فالأب يفتش عن مدفن بينما يفتش أولاده عن سبل السفرعبرالبحر من دون أن يأبهوا للمخاطر، فهم في كلا الحالتين أموات، فإن بقوا هم أموات أحياء وإن سافروا وغرقوا فسيكونون أمواتاً يدفنون في المكان الذي يسعى الأب لإيجاده كي يضم أحباءه بعد الفراق، وفي حال نجاتهم فوجود القبرمهم، لأنه عند عودتهم سيجدون مكاناً يبكون فيه والديهما بعد سنوات.
جاء الفيلم أقرب إلى الديكودراما، فمن جسّدوا الحالة سوريين لاجئين يعيشون في لبنان تحدثوا عن معاناتهم بحرقة، كما حاكى الفيلم الحالة التلفزيونية في أسلوبه إلا أن فكرته القاسية والكادرالذي أبرزالجمال وسط القبح في العديد من المشاهد حمل روحاً سينمائية، ساعياً إلى التقاط تفاصيل إنسانية وصوراً عن الحياة ضمن عالم المهمشين، لينتهي بمونولوج مغنى بصوت البطل وهو جالس إلى جانب زوجته.