المستقبل يصنعه من يجرؤ على التغيير .. هل تقدر الحكومة على تلبية تطلعات المواطن؟

الثورة – تحقيق هلال عون:

تمر سوريا بمرحلة مفصلية، تتطلب قرارات حاسمة في مواجهة تحديات ضخمة، تعترض طريق التنمية والاستقرار.. ما بين تعزيز الأمن الداخلي، وتحسين الاقتصاد، واستعادة السيادة على الموارد، تبرز تساؤلات حول قدرة الحكومة على تلبية تطلعات المواطنين.

في هذا التحقيق نحاول تحديد الأولويات وسبل تنفيذها.

 الأمان وتحسين الدخل

في المكتب الهندسي الذي يعمل به وسط دمشق، دار الحديث معه، إذ بين المهندس المدني “حسين. م” أن مكتبه متوقف عن العمل تماماً منذ أكثر من 10 سنوات، لأن حركة العمران متوقفة بسبب الغلاء غير المقبول بأسعار مواد البناء قياساً بدخل المواطن، وبأسى قال: أبحث عن فرصة لإعطاء دروس خصوصية للطلاب بمادة الرياضيات، كي أعيل أولادي، ولكن هناك عقبتين أمام عملي الجديد، هما الوضع المادي المتدهور للنسبة العظمى من الناس، والوضع الأمني غير المستقر، الذي يمنعني من دخول بيوت لا أعرف أصحابها.

وكان جوابه عن سؤالنا عن أولوياته: “هناك أولويتان بالنسبة لي هما: تحقيق الأمن والأمان، وتحسين مستوى دخل المواطن”.

رضوان علي- مدرِّس، لم تكن أولوياته بعيدة عما طرحه المهندس حسين، إذ قال: أولويتنا جميعاً هي تحقيق الأمن والأمان، لنستطيع التحرك داخل المدينة، والسفر بين المحافظات من دون خوف أيضاً، كي لا نقلق على أولادنا الذين يستيقظون صباحاً للذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم.

أما تحسين مستوى معيشة الناس فهو من أولويات المواطن أيضاً، وننتظر زيادات أخرى على الأجور، وهذا يتحقق بشكل مطرد مع تحقق الأمن والأمان، ومع عودة الروح إلى زراعتنا وصناعتنا، وسياحتنا.

ولفت المدرّس علي إلى المسؤوليات الكبيرة المترتّبة على كاهل وزارات التربية والإعلام والأوقاف لتنظيف العقول والنفوس مما علق بها من أدران الحرب، ومما أفرزته من سموم فكرية واجتماعية ونفسية وطائفية وعرقية في مجتمعنا، وختم بالقول: نحتاج إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي بناء على المواطَنة واحترام القانون.

“إيفان. د”، صاحب مدجنة، طالب الحكومة بفرض الأمن والأمان وإيقاف حالات القتل والخطف التي تحدث في البلد، وذلك من خلال الاستفادة من قوى الأمن الداخلي السابقين الذين لم يتورطوا بأعمال قتالية.

كما طالب الحكومة، بدعم قطاع الزراعة والثروة الحيوانية عموماً، مبيناً أن خسائر مربي الفروج ستُخرج آلاف المربين الصغار من العمل في هذا القطاع الحيوي، إذ إن انخفاض أسعار الفروج منذ أسبوعين، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، من دون أي دعم من الحكومة، سيلقي بآلاف المربين إلى قارعة الطريق.

وناشد الحكومة بالتدخل لمنع الخسارة، وذلك من خلال شراء الفروج، ولو بسعر التكلفة، وتجميده، وتصديره إلى دول الجوار، لتحقق أرباحاً للخزينة العامة، وتمنع الخسارة عن المربين.

لا نهضة بلا أمان

الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات الدكتور عبد المعين مفتاح، والمختص بالإدارة العامة والتنفيذية، يرى أن الأمن الداخلي هو حجر الأساس لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية، فمن دون بيئة مستقرة، لا يمكن جذب الاستثمارات أو تحقيق التنمية المستدامة.

ويضيف: “وفقاً للتقديرات، فإن نسبة الجرائم الاقتصادية والاحتيال المالي زادت بنسبة 35 بالمئة خلال الأعوام الخمسة الماضية، ما يشير إلى الحاجة لإجراءات صارمة”.

ويؤكد أن تعزيز ثقة المواطن بالدولة لن يتحقق إلا عبر فرض سيادة القانون، وتعزيز الشفافية، وتفعيل مؤسسات الرقابة لمكافحة الفساد الإداري.

ويرى مفتاح إلى أنه لا يمكن لسوريا أن تبني اقتصادها بمعزل عن العالم، فالإحصاءات تشير إلى أن حجم التبادل التجاري السوري مع الدول العربية تراجع بنسبة 70 بالمئة منذ عام 2011، ما أضعف القطاعات الإنتاجية.

لذلك فإن “إعادة بناء علاقات اقتصادية متوازنة سيتيح فرصاً واسعة لاستقطاب الاستثمارات واستعادة الحركة التجارية، وهو أمر حيوي لاستعادة التوازن الاقتصادي”.

 فرصة إلغاء العقوبات

كانت العقوبات الاقتصادية أحد أكبر التحديات، إذ تسببت في انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير خلال العقد الأخير.

وبحسب د. مفتاح، يجب أن يترافق رفع العقوبات عن بلدنا بإصلاحات داخلية جادة، تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار وتعزيز الشفافية، ما يزيد من فرص كسب التأييد الدولي”.

وأوضح أن التقديرات تشير إلى أن سوريا تمتلك احتياطيات نفطية تقدر بـ2,5 مليار برميل، لكن أكثر من 80 بالمئة من هذه الموارد خارج سيطرة الحكومة، لذلك فإن “استعادة الموارد النفطية ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي عامل رئيسي في استعادة الاستقرار، وإن عائدات النفط والغاز قد توفر جزءاً كبيراً من احتياجات إعادة الإعمار”.

ويشير د. مفتاح إلى أن انخفاض إنتاج الكهرباء في سوريا بنسبة كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، أثر سلباً على الإنتاج الصناعي والزراعي.. ولذلك فهو يدعو إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل محطات الطاقة، مع التركيز على مشاريع الطاقة البديلة، التي يمكن أن تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتساعد في توفير الكهرباء بشكل مستدام”.

ويطالب الحكومة بالعمل على استعادة الأموال السورية المنهوبة التي قدّرها البعض بنحو 40 مليار دولار، وذلك عبر الاتفاقيات الدولية للإسهام في تمويل إعادة الإعمار، وخلق منظومة قانونية صارمة لملاحقة الفاسدين “.

 تحفيز الاقتصاد المحلي

بلغ معدل التضخم في سوريا مستويات قياسية، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة كبيرة جداً منذ 2011.. ولمواجهة هذا التضخم وتخفيض الأسعار، يدعو د. مفتاح إلى “تشجيع الإنتاج المحلي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وللتقليل من الاستيراد، وصولاً إلى تعزيز استقرار العملة”.

تشير البيانات إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا انخفض بنسبة 90 بالمئة منذ عام 2011. ويؤكد الدكتور مفتاح أن “استعادة ثقة المستثمرين تتطلب بيئة قانونية مستقرة، وإجراءات مشجعة مثل تخفيض الضرائب على المشاريع الاستراتيجية، وضمان حماية الاستثمارات وفق معايير دولية”.

  تشجيع الابتكار والبحث العلمي

وفقاً للإحصاءات، فإن أقل من 0,1 بالمئة من الناتج المحلي في سوريا يذهب للبحث العلمي، مقارنة بـ 2- 3 بالمئة في الدول المتقدمة.

يوضح الدكتور مفتاح أن “دعم الجامعات والمراكز البحثية سيساعد في خلق بيئة ابتكارية قادرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية، خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة”.

ويجب تعزيز الحوكمة أيضاً لأن المؤسسات الحكومية تعاني من ترهل إداري أثر سلباً على جودة الخدمات، يشير الدكتور مفتاح إلى أن “الانتقال إلى نظام إدارة حديث يعتمد على التكنولوجيا والحوكمة الإلكترونية يمكن أن يقلل من البيروقراطية ويزيد من كفاءة العمل الحكومي”.

ودعا د. مفتاح إلى تنشيط قطاع السياحة، فسوريا تمتلك مقومات سياحية هائلة.. وطالب بإعادة تأهيل المواقع الأثرية وتحسين البنية التحتية السياحية للمساهمة في جذب السياح مجدداً، ما يسهم في توفير فرص عمل وزيادة الدخل القومي”.

كذلك دعا إلى دعم التنمية المحلية والمشاريع الصغيرة، خاصة أن البطالة بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث تخطت 50 بالمئة بين الشباب، لذلك فإن “تشجيع المشاريع الصغيرة وتوفير التمويل اللازم لها يمكن أن يسهم في خلق فرص عمل حقيقية، ما يساعد في تقليل معدلات الفقر وتحقيق الاستقرار الاجتماعي”.

تأهيل المناطق المتضررة

تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تتجاوز 400 مليار دولار.

يوضح الدكتور مفتاح أن “الأولوية يجب أن تكون لتوفير مساكن للنازحين وإعادة تأهيل الطرق والمواصلات، لأن البنية التحتية السليمة هي المحرك الأساسي لأي انتعاش اقتصادي”.

وختاماً، دعا د. مفتاح إلى اتخاذ قرارات جريئة.. “فالمستقبل يصنعه من يجرؤ على التغيير، وأي تأخير في اتخاذ الخطوات الإصلاحية اللازمة سيكلف الأجيال القادمة ثمناً باهظاً”.

آخر الأخبار
حرائق اللاذقية الأكبر على مستوى سوريا... والرياح تزيد من صعوبة المواجهة تحذير من خطر الحيوانات البرية الهاربة من النيران في ريف اللاذقية مدير المنطقة الشمالية باللاذقية: الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف هكتار عودة جهاز الطبقي المحوري إلى الخدمة بمستشفى حمص الوطني الشيباني يبحث مع وفد أوروبي تداعيات الحرائق في سوريا وقضايا أخرى تعزيز دور  الإشراف الهندسي في المدينة الصناعية بحسياء وحدة الأوفياء.. مشهد تلاحم السوريين في وجه النار والضرر وزير الصحة يتفقد المشفى  الوطني بطرطوس : بوصلتنا  صحة المواطن  الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بريف دمشق  تعقد أولى اجتماعاتها  لأول مرة باخرة حاويات كبيرة تؤم مرفأ طرطوس  فروغ المحال التجارية والبحث عن العدالة.. متى ظهرت مشكلة الإيجار القديم أو الفروغ في سوريا؟ وزارة الإعلام تنفي أي لقاءات بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين معرض الأشغال اليدوية يفرد فنونه التراثية في صالة الرواق بالسلميّة تأهيل شبكات التوتر المتوسط في ريف القنيطرة الشمالي مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب 1000 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة لمتضرري الحرائق بمشاركة 143 شركة و14 دولة.. معرض عالم الجمال غداً على أرض مدينة المعارض مناهج دراسية جديدة للعام الدراسي القادم منظمة "بلا حدود" تبحث احتياجات صحة درعا "18 آذار" بدرعا تدعم فرق الدفاع المدني الذين يكافحون الحرائق