الثورة – مريم إبراهيم:
يختزل مشهد الحرائق في الساحل كل وصف أو كلام قد ينطق أو يكتب ليعبر عما تعكسه هذه الحرائق من آثار سلبية على جميع جوانب الحياة، فهي تبدو كارثة بيئية وطبيعية لها دورها في تشكيل النظم البيئية، إضافة لأضرار التلوث والهواء، وتدهور النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وتغير المناخ والاحتباس الحراري، وتدمير القيمة الغذائية للتربة ومجمعات المياه، وغيرها.
ومع تفاقم الحرائق تثار الأسئلة حول ما ستخلفه من أضرار، وكيف يمكن توحيد الجهود ووضع خطط داعمة قد ترمم ما أمكن من مأساوية الواقع، وما الذي أوصل الغابات لتكون كالوقود الذي ينتظر شرارة الاشتعال؟.
عن الغابات
خبير استشاري إدارة موارد طبيعية وبيئة الدكتور موفق الشيخ علي بدأ حديثه حول هذا الموضوع في لقاء لـ”الثورة” بعرض مبسط عن آلية إدارة الغابات في سوريا، إذ كانت الغابات والحراج تعود ملكيتها جزء للدولة وجزء من الأراضي المشاعية التي تمتلكها القرى أو المناطق التي تحيط بها, ثم جاءت عمليات التسجيل العقاري أو ما يعرف بالتحديد والتحرير ليتم وضع إشارة “أراضي حراج” على تلك المناطق وأصبحت تدار كجزء من الأملاك العامة بموجب قانون الحراج الذي صدرت النسخة الأخيرة منه أو التعديل الأخير له في العام 2023.
حالة صدام
وأضاف: إن حالة القوننة لأراضي الحراج والغابات خلقت نوعاً من الصدام بين المجتمع المحلي والسلطات القائمة على تنفيذ قانون الحراج متمثلة بوزارة الزراعة، باعتبار أن كل نشاط بما في ذلك التحطيب لأغراض الاستعمال المنزلي أصبح يحتاج إلى رخصة، وحاولت وزارات الزراعة المتعاقبة الوصول إلى صيغ متعددة لإشراك المجتمع المحلي بإدارة الغابات والحراج، ولكنها باءت بالفشل نتيجة أسباب منها البيروقراطية والفساد والمنتفعين الكبار، وفي السنوات الأخيرة مع إطلاق الثورة وحالة الصراع العسكري وخروج بعض المناطق عن سيطرة الحكومة المركزية والوضع الاقتصادي، واشتداد العقوبات ونقص الموارد، بدأ الإهمال في برامج التربية والتقليم وتخليص الغابات مما نسميه الوقود الجاف أي مجموع الأوراق والأغصان اليابسة أو المتكسرة وغيرها مما جعل أراضي الغابات كوقود ينتظر شرارة للاشتعال.
صعوبة التقييم
وحول الأضرار نتيجة حرائق الساحل الأخيرة يوضح الدكتور الشيخ علي أنه من الصعب تقييم حجم ونوعية الأضرار كونها تحتاج لمسوحات حقلية واستخدام تقانات الاستشعار عن بعد والصور الفضائية لمسحها، ولكن من خلال خبرتي ومعرفتي الجيدة بالمنطقة، وباعتبار أنني كنت من الفريق الدارس لمحميتي الشوح والأرز والفرنلق، ومدير الفريق الذي أعد تقارير التقييم ما بعد حرائق العام 2020 بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يمكن توزيع الأضرار إلى عدة فئات منها الأضرار البشرية والاجتماعية، إذ لم تحدث إصابات بشرية كبيرة، ولم يتم الإعلان إلا عن حالات ضيق تنفس أو ما يشبه الاختناق، إضافة إلى حروق بسيطة لبعض السكان المحليين أو الفرق العاملة على إطفاء الحرائق، أما الأضرار الاجتماعية فإنها ستكون كبيرة وموزعة بين فقدان أو احتراق منازل سكنية بما يشمل منشآت المزرعة المنزلية ويقصد بها أماكن إيواء الحيوانات المنزلية سواء على مستوى أبقار أو أغنام أو دجاج وغيرها، يضاف إلى ذلك فقدان أو احتراق خلايا النحل التي عادة ما تكون متروكة في البراري، وهناك أضرار زراعية، وتشمل احتراق مئات آلاف من الأشجار المثمرة مع شبكات الري وحتى شبكات الطاقة الشمسية إن وجدت، فجزء من المنطقة التي شملتها الحرائق هي من المناطق التي تعرضت سابقاً للتدمير تحت العمليات العسكرية التي كان النظام البائد يقوم بها ضد تلك المناطق، وهذا ما يزيد حجم الكارثة الاجتماعية الاقتصادية لتلك المناطق.
الطامة الكبرى
ويقول الدكتور الشيخ علي: إن الطامة الكبرى، في الأضرار البيئية فهذه الغابات تعتبر النموذج الوحيد في سوريا لما يسمى علمياً بالنظام البيئي الغابوي، وبالتالي فقدان أعز ما نملك من هذه الناحية، وهذا يشمل فقدان مئات آلاف الأشجار من السنديان والصنوبر والخرنوب والغار، إضافة إلى شجيرات وأعشاب وأبصال لنباتات هامة تشمل السوسن والزعتر البري والآس.. ويضاف احتراق التربة، وبالتالي فقدان البنية الفيزيائية الوظيفية التي ستجد صعوبة في التماسك لاحتضان جذور النباتات والأشجار التي ستعود لتنمو أو تلك التي سنعمل معاً كدولة ومجتمع لإعادة زراعتها بالمواقع المتضررة.
أضرار مستقبلية
وحول الأضرار المستقبلية لفت الدكتور الشيخ علي إلى أن احتراق هذه المساحات الواسعة من الغطاء الأخضر سواء الغابوي أم الزراعي سيرفع مستوى التأثيرات الناتجة عن التغييرات المناخية، لا سيما لناحية ارتفاع درجات الحرارة محلياً أو لناحية انجراف التربة الناتج عن المتساقطات المطرية المرتفعة عادة بالمنطقة والتي تصل إلى معدلات تتجاوز 800 مم في السنة.
دعم وتأهيل
وبالنسبة لخطط الدعم وإعادة التأهيل قال الدكتور الشيخ علي: سبق لنا منذ سنوات قليلة أن وضعنا تصوراً لخطط قصيرة ومتوسطة المدى لإدارة الغابات وإعادة تأهيل المحروق منها، ولكن عدة عوامل حالت دون البدء بالتطبيق ولعل أهمها كما تدعي الحكومات السابقة هو ضعف الإمكانيات المادية والعقوبات الدولية ولكن أريد أن أزيد عليها الفساد والترهل الإداري، وحالياً أهم شيء أن ندعم الأسر والمناطق المتضررة للوصول بهم إلى عودة آمنة لبيوتهم، مع تأمين التعويض المادي المناسب عن الأضرار الزراعية والخسارات التي لحقت بهم نتيجة فقدان مصادر رزقهم الزراعي أو السياحي وحتى التجاري على مستوى المحلات والدكاكين التي كانت تشكل لهم مصدر دخل، أما موضوع إعادة تأهيل الغابات فهنا ننوه بقضية هامة يجب على السلطات المعنية أن تحرص كل الحرص على منع التجاوزات على الأراضي الحراجية لناحية تجاوزات البناء أو الزراعة الثمرية كالتحذير من السماح بزراعات عشوائية لأنواع غريبة أو مدخلة مما يعرض التنوع الحيوي في سوريا لأخطار لا تحمد عقباها.
ما هي المسببات؟
ويضيف الدكتور الشيخ علي: من الصعب حالياً القول، أو إطلاق الأحكام عمن قام بهذا العمل الإجرامي وإطلاق ظن الفعل الجنائي، وهناك عوامل يجب تحليلها للوصول إلى ذلك منها، هل انطلقت النيران من نقطة واحدة أم من عدة نقاط؟، وهل هناك تزامن بين نقاط الاشتعال؟ وهل بدأت النيران نتيجة إهمال غير متعمد مثل حالة شواء– تشعيل فحم أركيلة– تحريق زراعي أو ما شابه؟ أو نتيجة ماس كهربائي وهي حالة معروفة ومتكررة نتيجة ساعات الانقطاع الطويلة للكهرباء، وبالتالي عند وصل التيار يكون هناك سحب عالٍ عليه، وتحدث بشكل متكرر حالات اشتعال على كابلات نقل الطاقة أو في المحولات، والإجابة على تلك التساؤلات يمكن أن تؤدي مع التحقيقات الجنائية التي تقوم بها الجهات المختصة لتقديم صورة واضحة عن المسببات.