الثورة – ثورة زينية:
لاتزال ملامح الجمال تطغى عليها رغم كل ما مر بها من تخريب وتدمير وأحداث عصفت بأهلها وشجرها وحجرها.
الزبداني أو “مدينة النور”، كما كان يطلق عليها قديماً، يصفونها بدرة أشهر المصايف الساحرة في دمشق وغوطتها الغربية، واليوم تشهد أيام الصيف الحارة، ولاسيما أيام العطل اكتظاظاً غير مسبوق بأرتال السيارات القادمة من دمشق والمحافظات الأخرى، وحتى من خارج سوريا باتجاه هذه البقعة الجميلة ومحيطها، فلطالما شكلت مقصداً للدمشقيين والزوار صيفاً للهروب من لهيب الشمس نظراً لهوائها العليل واعتدال حرارتها، وشتاء للتمتع بثلوجها البيضاء التي تمنحها جمالاً أخاذاً.
دمار هائل
وأنت تتجول في البلدة القديمة بالزبداني يرهقك حجم الدمار في المنازل والبنية التحتية والذي يقدر بنحو 90 بالمئة، وباتت معظم منازلها غير صالحة للسكن، ولم يتمكن سوى 10 بالمئة من السكان من العودة إلى أطراف المدينة التي تعتبر أقل دماراً، وربما أكثر صلاحية للسكن.
كما أن الأراضي الزراعية التي اشتهرت بها قد أحرقت في معظمها، فأشجار الفواكه المثمرة المشهورة، مثل: التفاح، والإجاص، والخوخ، والدراق، والجوز، والتين، والعنب، والكرز.. والتي شكلت في يوم من الأيام ما يشبه الغابات لكثافتها تبدو اليوم أراضي شبه مقفرة، لكن الحياة بدأت تدب شيئاً فشيئاً والمزارعون عادوا لزراعة أراضيهم الخيرة على الرغم من التحديات والصعوبات الكبيرة التي يواجهونها.
يقول المزارع عبد الرحمن لصحيفة الثورة: يحاول الأهالي إعادة استثمار أراضيهم الزراعية، إلا أن احتراق معظمها وسرقة كل معدات ضخ المياه وتوليد الكهرباء تزيد من صعوبة ذلك في الأراضي الموجودة في منطقة السهل، فيما يصعب أكثر إعادة استثمار الأراضي الموجودة في الجبال المحيطة نظراً لانتشار الألغام التي زرعتها الحواجز الأمنية للنظام البائد بكميات كبيرة تحول من دون إمكانية الذهاب والعمل على استثمارها من جديد.
بينما تتحسر نادية الكويفي على عدم قدرتها على العودة إلى منزلها في الوقت الحالي لأنه مدمر بشكل كلي، حالها حال الكثير من العائلات التي عادت بعد التحرير لفقدانهم منازلهم التي دمرت بشكل كامل.
أرض محروقة
وفي تصريح خاص لـ”الثورة” بين رئيس مجلس مدينة الزبداني المهندس سمير درويش أنه تم حرق وقطع نحو مليون ونصف شجرة مثمرة من قبل القوات النظام المخلوع، وميليشيات حزب الله اللبناني، وتدمير آلاف الهكتارات الزراعية، موضحاً أن المساحات المزروعة بالأشجار المثمرة قبل تدمير المدينة كانت في سهل الزبداني لوحده تصل إلى 5500 هكتار بينما تجاوزت الـ 2000 في الأراضي الجبلية.
وأضاف: عاد عدد من المزارعين لمواصلة العمل في حقولهم لكن هناك صعوبات كثيرة، ويحتاج المزارعون لدعم كبير، ولاسيما فيما يتعلق بتأمين غراس الأشجار المثمرة، وقد انطلقت مؤخراً بالفعل مبادرة أهلية لتامين 35 ألف غرسة مثمرة، لكنها غير كافية، مؤكداً على ضرورة الدعم لزراعة الأشجار المثمرة، مؤكداً على أننا بحاجة إلى 200 إلى 300 ألف غرسة في العام، وقادرون على زراعتهم في وقت قياسي أملا في عودة الزراعة سيرتها الأولى في الزبداني.
ولفت إلى أن السياحة عاودت نشاطها بشكل ملحوظ بعد التحرير، وازدادت حركة السياح والمصطافين إلى الزبداني والمناطق المحيطة، إذ تتواجد الفعاليات السياحية من مطاعم ومقاه ومتنزهات.
حجم الأنقاض كبير
المهندس درويش أكد أن حجم الأنقاض كبير جداً في مدينة الزبداني فهي المدينة التي لحقها النصيب الأكبر من التدمير في الغوطة الغربية لدمشق، لكن المبادرة التي أطلقها كل من إدارة منطقة الزبداني والمجلس المحلي بالتعاون مع الدفاع المدني والمجتمع الأهلي، في 24 من نيسان الماضي، خففت كثيراً من الأعباء عن السكان والتكلفة وتشجيع الأهالي على إعادة بناء المدينة وترميمها، منوها بأن المبادرة بدأت كمرحلة أولى بالتعاون مع الدفاع المدني السوري الذي قدم الآليات والخبرات بالتعاون مع المجتمع الأهلي والمحلي والمغتربين من أبناء مدينة الزبداني الذين قدموا التمويل لهذه المبادرة والآليات، وذلك عبر إنشاء صندوق مخصص لجمع التبرعات وتنظيم العمل بحيث تكون المبادرة على أعلى قدر من الشفافية، واليوم تكمل المبادرة فقط بالاعتماد على الدفاع المدني الذي يقوم بوساطة آلياته، لافتا إلى مبادرة من محافظة ريف دمشق تعهدت فيها بإزالة 20 ألف متر مكعب ضمن برامجها لإزالة الأنقاض من مختلف المناطق المدمرة في المحافظة.
وبين أن عملية إزالة الأنقاض تتم وفق تنظيم واضح، إذ يطلب من الأهالي التسجيل على استمارة إلكترونية وبناء على هذا يتم تحديد يوم لهم لترحيل الأنقاض من المنزل، وبالنسبة لمصير الأنقاض، فإن البلدية تعمل على إصدار دفتر شروط، لعملية إعادة تدويرها والاستفادة منها.
800 ألف متر مكعب من الأنقاض
وأضاف المهندس درويش: إن المدينة مدمرة بشكل كبير وتحتاج لجهود جبارة، وعملية إزالة الركام بطريقة منظمة ووفقاً لجدول زمني محدد، وإن هناك ما يقرب من 800 ألف متر مكعب من الأنقاض في مدينة الزبداني لوحدها، منها 500 ألف متر مكعب من أنقاض المنازل المدمرة بشكل كلي و 300 ألف متر مكعب من المنازل المدمرة جزئياً، مشيراً إلى وجود 5300 منزل مدمر بشكل كلي في الزبداني، و8000 منزل مدمر بشكل جزئي.
ويختتم المهندس درويش حديثه: إنه من أصل 5400 عائلة مهجّرة عادت فقط 1000 عائلة نتيجة لوجود نسبة دمار كبيرة في المدينة، متوقعاً عودة المزيد مع انتهاء الموسم الدراسي، ولاسيما من لبنان.
وأشار إلى وجود مشكلة إنسانية تتعلق بوجود نحو 3000 أسرة بلا معيل ومعظم هؤلاء هم أسر لشهداء من الثورة السورية، مطالباً بمزيد من الدعم لهذه الأسر كي تعاود الوقوف والمضي قدماً في الحياة.
صمود مدينة
الزبداني مدينة تبعد نحو 45 كيلومتراً شمال غرب العاصمة دمشق.. وتتربع على سفوح جبال لبنان، وارتبط تاريخها بدمشق كونها تقع على يمين الطريق الدولي الذي يربط دمشق ببيروت، في وسط المسافة بين دمشق وبعلبك، إذ ترتفع عن سطح البحر ما بين 1250 متراً.
حيث ومع اندلاع الثورة السورية، عام 2011، كانت الزبداني، من أوائل المدن التي انتفضت في وجه نظام الأسد المخلوع، وقوبلت المظاهرات التي خرجت فيها بالقذائف المدفعية والعربات العسكرية.
ووثق المجلس المحلي في الزبداني استهداف النظام للمدينة بـ 5200 برميل متفجر، و2000 صاروخ من الطائرات الحربية، و40 صاروخاً يحمل خراطيم متفجرة و1800 صاروخ باليستي، و100 ألف قذيفة من المدافع والدبابات، كما ضربت المدينة على مدار يومين كاملين في 28 و29 من آب 2015 ببراميل مملوءة بغاز الكلور السام.