خريطة تنفيذ محدودة ومصير غامض لحيي الشيخ مقصود والأشرفية

الثورة – خاص:
شهدت مدينة حلب مؤخراً تطوراً لافتاً في العلاقة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بعد التوصل إلى اتفاق محدود لتبادل الأسرى، وصف حينها بأنه “عملية إنسانية” من جهة، و”اختبار سياسي” من جهة أخرى، إلا أن التطبيق الفعلي لهذا الاتفاق بقي جزئياً، ما يثير التساؤلات حول مستقبل حيي الشيخ مقصود والأشرفية، الخاضعين لإدارة مزدوجة ومعقدة.
وبنظرة سريعة للاتفاق الذي نص على عدة بنود أساسية، من أبرزها: تبادل عدد محدود من الأسرى بين الطرفين، شمل جنوداً نظاميين أُسروا في مناطق الجزيرة مقابل عناصر أكراد جرى توقيفهم في حلب ومناطق أخرى، وضمانات أمنية مؤقتة لعدم استهداف نقاط التماس في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وفتح معبر إنساني يربط مناطق “الإدارة الذاتية” داخل حلب بباقي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على تنفيذ الاتفاق، وتنسيق أمني جزئي لتبادل المعلومات حول تحركات التنظيمات المتطرفة في المناطق الحدودية بين الطرفين.

حجم التنفيذ الميداني للاتفاق

رغم توقيع الاتفاق منذ فترة، إلا أن تطبيقه بقي محدوداً، فقد جرت عمليتا تبادل للأسرى خلال الفترة الماضية، كان آخرها في منتصف الشهر الماضي، من دون تنفيذ فعلي لبنود أخرى، خصوصاً المتعلقة بفتح المعابر، التي بقيت رهينة التأجيل والمماطلة، نتيجة خلافات ميدانية وتأثيرات سياسية خارجية.
ومؤخراً، دخلت اللجنة المعنية بمتابعة الاتفاق مع “قسد” إلى الحيين، أعقب ذلك إزالة العديد من السواتر الترابية على مداخل الحيين، والتي كانت أقامتها “قسد” و”وحدات الحماية”، واكتفي لاحقاً بوضع حواجز بالتوازي مع حواجز قوى الأمن السورية، مع التدقيق في بيانات المارة.

واقع معيشي وإداري معقد

داخل الشيخ مقصود والأشرفية، تمارس قوات “قسد” إدارة شبه مستقلة، يتجلى ذلك في: التحكم مثلاً بسائقي النقل الجماعي، وفرض أجور “زهيدة” (1000 ليرة سورية لكل ميكروباص) وإلزامهم بالوصول إلى نهاية الخط، وتنظيم بائعي الخضار وإجبارهم على البيع في مناطق محددة، بعيداً عن السوق القديم “بين الدوارين” في حي الأشرفية، تحت طائلة المخالفة أو حتى الاعتقال، وتحديد تسعيرة الأمبيرات المنزلية بـ8 آلاف ليرة مقابل تشغيل 6 ساعات يومياً، وتوزيع الخبز عبر معتمدين بسعر أقل بقليل من الأفران – ولكن دون شمول الجميع.
ورغم هذه التسهيلات، إلا أن كثيراً من السكان يرفضون تصرفات الإدارة المحلية لـ”قسد”، معتبرين أنها لا تراعي احتياجاتهم أو تتعامل بعدالة مع جميع السكان.

انقسام “قسد” وتردد حكومي

يرى مراقبون أن تقدم تنفيذ الاتفاق بقي محدوداً للغاية نتيجة انقسام داخل “قسد” نفسها على ما يبدو، إذ يتصارع تياران: تيار يدعو للحوار، وتيار يراهن على الدعم الخارجي ويرفض أي تقارب سياسي مع الحكومة.
في المقابل، تتعامل الحكومة بحذر بالغ مع الملف، لأسباب متعددة، أبرزها حرصها على التأكيد أن المكون الكردي جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، وفي الوقت نفسه عدم التنازل عن السيادة الوطنية.

إدارة مزدوجة

يقع حيي الشيخ مقصود والأشرفية شمال مدينة حلب، إلا أنهما لا يزالان تحت سيطرة “قسد” الأمنية والإدارية: الإدارة المدنية تمارسها “قسد” عبر “وحدات الحماية” و”الأسايش”، في حين تتواجد نقاط عسكرية حكومية على الأطراف والمداخل فقط.
ووفق مصدر رسمي في حلب، صرح أكثر من مرة، فإن الدولة لم ولن تتنازل عن سيادتها، لكنها تقبل بالوضع الراهن كنوع من التفاهم المؤقت، حفاظاً على الاستقرار وتفادي الصدامات، في الوقت التي لا تزال وحدات حماية الشعب تمارس نفوذاً فعلياً داخل الحيين، من خلال: محاكم خاصة وإدارات محلية، ونقاط تفتيش لا تخضع للحكومة.
ويبدو أن اتفاق تبادل الأسرى لا يعد سوى خطوة أولى ضمن مسار تفاوض طويل وغير معلن، في ظل تقاطع المصالح الأمنية والإنسانية، بينما تبقى الملفات السياسية الكبرى، معلقة وبعيدة المنال.

السكان.. بين مطرقة الإدارة وسندان التهميش

يبقى سكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية هم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة المعقدة، تقول المواطنة  “أم عبدو”، خمسينية من سكان الأشرفية ذات الغالبية غير الكردية تصف الوضع بعبارات مؤثرة: نعيش في منطقة لا هي للحكومة ولا لما تسمى “بقسد”، المساعدات شبه معدومة لغير الناطقين بالكردية، ولا أحد يعلم إن كانت “قسد” قادرة على الاستمرار بتقديم الخدمات أو لا، فتوزيع المازوت لا يطال الجميع، ولا نعرف كيف سيتم التعامل مع المساحات الشاسعة التي سيطرت عليها، بداية تحرير المدينة من النظام البائد، وهل ستتعامل مع بقية السكان بنفس الطريقة والأسلوب، التي كانت تتبعه “قسد” قبل ضمها للمناطق الجديدة، أم لا؟.
أما”أبو أحمد “، موظف من سكان الحي، فيعبر عن مطلب واضح: نريد فقط فتح الطرقات وخروج الطلاب والموظفين بحرية.. نريد الدولة، لا “قسد” ولا غيرها، نريد أن نعيش بكرامة، والحل أن يكون بيد الدولة وحدها.

تهدئة لا ترقى إلى الحل السياسي

مصدر مسؤول أكد أكثر من مرة أن الاتفاق مع “قسد” لا يمثل تحولاً سياسياً، بل هو إجراء إنساني أملته الظروف الميدانية، ولا يعني اعترافاً بالإدارة الذاتية، لكنه يساعد في تقليل التوتر وحماية المدنيين.
في المقابل، يرى مسؤول سابق في ” مجلس الأحياء الكردية بحلب “أن اتخاذ القرار داخل “قسد” ليس سهلاً، نظراً للانقسام الحاد داخل قيادتها، ما يجعل أي مقاربة سياسية شاملة مؤجلة حتى إشعار آخر.
وما بين واقع ميداني معقد، وغياب الحلول السياسية الجذرية، حتى اللحظة، واستمرار حالة الإدارة المزدوجة، يبقى مصير حيي الشيخ مقصود والأشرفية معلقا، وسط رغبة شعبية متزايدة بعودة سيطرة الدولة كاملة على الحيين، لتأمين حياة مستقرة وكريمة للسكان المنهكين.

تسليم رفات 10 جثث وسط غموض يكتنف هويات البعض

إلى ذلك، سلمت “قسد” قبل أيام نحو  10 جثث إلى الطبابة الشرعية في مدينة حلب، بإشراف الهلال الأحمر العربي السوري وتنسيق من لجان المصالحة المحلية.
وعلمت “الثورة” من مصادر مديرية صحة حلب أن الجثث سلمت لذويها أصولاً..
بالمقابل، أكدت مصادر مطلعة أن تسليم الجثث جاء ضمن اتفاق جزئي لتبادل المعلومات والجثامين بين الجانبين، أُنجز بوساطة أطراف محلية ودولية، ولم تصدر “قسد” بياناً رسمياً حول الحادثة، لكن أحد ممثليها المحليين، أشار في تصريح له إلى أن الخطوة تأتي في إطار إنساني بحت، وهي جزء من تعاون سابق في ملفات المفقودين.
وفي الأوساط الشعبية، خيم الحزن على ذوي المفقودين ممن توافدوا إلى مركز الطبابة في بحلب، وسط ترقب لمعرفة مصير أبنائهم.

هل من اتفاق أوسع؟

المصادر تحدثت أيضاً عن احتمالية وجود اتفاق مبدئي غير معلن بين الحكومة و”قسد” لتسليم عدد أكبر من الجثامين والأسرى على دفعات، يشمل أيضاً الإفراج عن معتقلين من الطرفين، إلا أن هذه المعلومات ما زالت غير مؤكدة رسمياً.

آخر الأخبار
دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية