الثورة – مريم إبراهيم:
أرقام هواتفهم وجوالاتهم منتشرة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها وإعلانات هنا وهناك.. يبدون عبرها استعدادهم لتلبية طلبات المياه إلى أي مكان أو حي أو منزل، وبجهوزية تامة.. هم على أتم الاستعداد، وبأسعار تأخذ بالاعتبار جميع التفاصيل سواء الوقت أم المسافة أم الزمن، وغير ذلك.
حاضرون
بائعو المياه اليوم هذه الفترة يسجلون حضورهم اليومي وحتى الآني في جميع الأمكنة، فيوماً بعد آخر تتفاقم مشكلات شح المياه، والأزمة الكبيرة التي تعانيها مختلف المحافظات والمناطق والأحياء، في ظل واقع مأساوي وصعب يعانيه الجميع لتأمين احتياجاتهم اليومية من المياه سواء كانت للشرب أم للاستخدامات الأخرى المتعددة الأغراض، في ظل أزمة خانقة فرضت وجودها واقعاً يومياً يعاني منه كثيرون جداً مع واقع شح المياه هذا الموسم.
وبزيادة أعداد هؤلاء البائعين يومياً، واستمرار تأمينهم الاحتياجات، يتساءل كل من يراقب المشهد حول مصادر هذه المياه وهل هي نظيفة وصالحة للشرب ومن مصادر موثوقة أم هي غير ذلك من دون خضوعها لأي رقابة من جهة معنية، أو تحاليل تؤكد نظافتها و صلاحيتها للشرب والاستخدامات الأخرى.
وتبدو الحاجة الماسة لتأمين الاحتياج هي الغالبة على كل التساؤلات، وااكثير لا يكترثون إن كانت نظيفة أم لا لجهة استخدامات في أغراض التنظيف والحمامات وغيرها، والمهم هو أن تكون مياه الشرب نظيفة.
يقول سومر أبو أحمد- من حي التضامن: إنه مع المعاناة اليومية في تأمين المياه، مع عدم القدرة على الحصول بسبب قلة الضخ في حيه السكني، وعدم وصول المياه لمنزله في الطابق الرابع، هنا تفرض الحاجة نفسها، ويكون الملاذ هو الاتصال ببائعي المياه لتعبئة الخزان، إذ يلبي الاتصال مباشرة، علماً أن الأسعار مرتفعة قياساً بالحاجة المستمرة للحصول على المياه، إذ تتجاوز المائة ألف للخزان خمسة براميل بعد الأخذ والرد والجدال لتخفيض السعر قدر الإمكان.
ويوافقه الرأي أبو وسيم وآخرون في حارات عدة، حيث المعاناة اليومية التي باتت وجعاً للجميع، فالماء هو الحياة ولا غنى عنه أبداً، حتى مع تقليل كميات الاستهلاك اليومية والتخفيف من الهدر قدر الإمكان، لتجنب الحاجة لشراء المزيد من الباعة الذين يتحكمون في فرض أسعارهم مستغلين حاجة الناس للمياه.
وينبه حسن عبد الرحمن من عدم نظافة المياه في أحيان كثيرة، إذ تكون لها رائحة كريهة وغير صافية، ويرجح أن يكون مصدرها المسابح أو غيرها من مصادر مياه غير موثوقة، ولكن الحاجة تجعل المواطن يشتريها لقضاء حاجاته، هذا إضافة إلى أنه في أحيان كثيرة يتم شراء المياه المعبأة لأغراض الشرب، ولكن ذلك لا يستمر كثيراً، فالعبء المادي يصبح مضاعفاً ومرهقاً أكثر.
تزامن
ويتساءل مواطنون في ضاحية الشام بريف دمشق حول سبب التزامن في انقطاع المياه وتواجد البائعين بكثرة في المنطقة وبأسعار خيالية، متمنين أن يتم النظر والإنصاف بهذه الأسعار، وضبط عمليات البيع والمخالفات والعشوائية المتبعة دون حسيب أو رقيب، وهذا ما يزيد من الأعباء.
أما صاحب صهريج مياه أبو حسين، يشرح مشقة تعبئة صهريج المياه اليومي، لتلبية الطلبات التي أخذت بالتزايد مع قلة منسوب الينابيع وحتى جفاف العديد من الآبار، ويؤكد أنه لا يبيع إلا المياه النظيفة وهي من بعض الآبار، ويتحمل أعباء في تأمينها، كما أن سعر الخمسة براميل بمائة ألف هو سعر مناسب ومنطقي يراعي دخل المواطنين، لكن الحاجة المستمرة للمياه هي التي تضيف الأعباء المادية الأخرى، وهناك بائعون آخرون يبيعون مياها صالحة للشرب بسعر عال، ومياه صالحة للاستخدامات المنزلية الأخرى بسعر آخر كون هذه المياه غير مخصصة للشرب.
غائبة
من جانب آخر تبدو الجهات المعنية غائبة عن المتابعة لهذا الواقع اليومي، حيث الأزمة لا تقتصر على حي دون آخر أو تعاني منها محافظة دون أخرى، بل الأزمة عامة والأسباب كثيرة، والحلول تبدو في غاية الصعوبة، حتى مع البحث عن أي بدائل يمكن أن تسد الحاجة ما أمكن، فتحسين واقع المياه، خاصة الشرب هو الشغل الشاغل كما تبين مصادر هذه الجهات، والتي تتابع اجتماعاتها والبحث عن آبار جديدة، مع الجدية في إمكانية تغطية أقصى الاحتياجات من المياه ،فحماية الأمن المائي وتأمين مياه الشرب لكل المحافظات من الأولويات الهامة في عمل هذه الجهات .
أزمة واقع
بالعموم تبدو الأزمة من سيئ لأسوأ، مع مختلف الظروف المحيطة من الجفاف، وانخفاض مستوى الينابيع وجفاف العديد من الآبار وانخفاض غزارة آبار أخرى كانت تغذي مناطق كبيرة، إلا أن مناسيبها بدأت بالتراجع، وهذا الواقع الصعب يتطلب مزيداً من البحث عن حلول ولو مؤقتة أو شبه إسعافية، تخفف من شدة المعاناة، إضافة لأهمية جانب مهم وهو الوعي المجتمعي والتخفيف من الاستهلاك اليومي، وعدم الهدر في المناطق التي تغذى بالمياه بشكل كبير، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار وجود تقنين عادل
في ضخ المياه، تستفيد منه مختلف الأحياء دون تمييز حي أو منطقة عن أخرى.
ويبقى الحديث في موضوع المياه كالخطوط الحمراء فهي الحياة، ومع كل معاناة لابد من متابعة ومراقبة، وعدم ترك فوضى بيع المياه عبر الصهاريج على مزاجية البائعين، ومن المهم تكثيف الجولات الرقابية وإجراء فحوصات للمياه المباعة، والتأكد من سلامتها، لأن ترك البائعين على هواهم يفاقم المشكلة إلى مساحة أكبر وأصعب، فعدم صلاحية المياه ونظافتها سيترتب عليه آثار سلبية أخرى على صحة المواطن بشكل عام، وبالتالي المشكلة تولد مشاكل أخرى، نحن بأمس الحاجة للغنى عنها، وتبرز هنا أهمية التعاون والتشاركية، وأداء الواجبات والمسؤوليات الوطنية والمجتمعية كاملة، بما يحد أو يخفف قدر الإمكان من عواقب الأزمة بجميع تفاصيلها.